تفاجأ الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة بإحجام نصف دول أفريقيا عن إدانة الحرب الروسية ضد أوكرانيا، واعتبر ذلك مؤشرا مقلقا على تنامي التأثير الروسي، خاصة في شقه العسكري عبر الوحدات القتالية العسكرية فاغنر، علاوة على التأثير الصيني. ومن ضمن المؤسسات التي أعربت عن قلق كبير وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
وأمام عدم إمكانية حسم مجلس الأمن في التنديد بالحرب الروسية ضد أوكرانيا بسبب الفيتو الذي تتمتع به موسكو، جرى نقل التصويت على إدانة روسيا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. ورغم رمزية القرار في الجمعية العامة وعدم اكتسابه إلزامية التطبيق، كان الغرب يبحث عن إدانة أوسع لتسجيل موقف تاريخي للمجتمع الدولي ضد روسيا، أي ربح الحرب المعنوية ولو رمزيا.
وتفاجأت الدبلوماسية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بمواقف غير منتظرة من عدد كبير من دول أفريقيا، إذ رفضت دعوات باريس ولندن وواشنطن التي وجهتها لها للتصويت ضد روسيا. وفي المقابل، فضلت الرهان على موقف حيادي.
وصوتت 28 دولة أفريقية ضد روسيا، لكن باقي الدول إما تغيبت – وأبرز حالة هي المغرب – أو امتنعت عن التصويت كما هو الشأن مع بعض حلفاء روسيا مثل الجزائر ومالي وأفريقيا الوسطى. وشكل إحجام دول موالية للغرب عن التصويت مثل جنوب أفريقيا والسنغال المفاجأة.
والتزمت الدول الأوروبية الصمت تجاه المفاجأة الأفريقية، لكن دبلوماسية واشنطن أعربت عن خيبة أملها، وإن كان الموقف الواضح هو الصادر عن البنتاغون، الذي يرى التصويت من زاوية عسكرية في ارتباط بالتأثير الروسي والصيني.
في هذا الصدد، ووفق ما نقل الموقع المهتم بالبحرية الأمريكية “المعهد الأمريكي للبحرية” منذ يومين، قال الجنرال ستيفن تاونسند، قائد القوات الأمريكية الإفريقية (أفريكوم)، “لقد كان مزعجا بالنسبة لي أن نصف القارة الأفريقية لم يصوت لإدانة الكرملين لغزو أوكرانيا في تصويت الأمم المتحدة يوم 2 مارس”.
وينسب هذا الجنرال امتناع بعض الدول الأفريقية أو تغيبها عن التصويت – خاصة الدول وسط القارة مثل مالي وأفريقيا الوسطى – إلى التأثير المزدوج الذي تمارسه روسيا عبر مليشيات فاغنر، التي تؤيد الأنظمة الدكتاتورية في القارة، علاوة على التاثير الاقتصادي عبر رجال أعمال روسيين أسماهم “بالأوليغارشيين”.
كما ينسب التحليل العسكري لقوات أفريكوم التأثير إلى الصين، التي بدورها امتنعت عن إدانة روسيا وجرت معها دول أفريقية نحو هذا الموقف. وركز الجنرال كثيرا على مساعي الصين في الانخراط في بناء البنيات التحتية لعدد من الدول الأفريقية، والعمل على الحصول على قواعد عسكرية في القارة. واعترف بالتنافس القوي بين الدول الكبرى حول القارة لكسب التأثير السياسي والانفراد بالثروات، واعتبر هذه المنافسة مثل المواجهة بين الأنظمة الديمقراطية والدكتاتورية.
كانت مجلة “لوبوان” الفرنسية قد أوردت، بداية الأسبوع الجاري، أن امتناع وتغيب 24 دولة أفريقية عن إدانة روسيا في الجمعية العامة، وهي الدول سواء الحليفة لروسيا منذ عقود أو حليفتها الجديدة، يعد منعطفا حقيقيا في القارة السمراء، كما يعني الكثير بالنسبة لفقدان النفوذ الغربي رغم أن الاتحاد الأوروبي يبقى هو الشريك الاقتصادي والتجاري الأول للقارة بما قيمته 225 مليار يورو سنويا مقابل 20 مليار يورو فقط لروسيا.
ومن جهة أخرى، يمكن فهم التأثير الروسي بأن هذا البلد أصبح مصدر 30% من الأسلحة التي تقتنيها دول القارة السمراء لاسيما في مرحلة أصبحت الدول تبحث عن الأسلحة المتطورة وبأسعار مناسبة، وهي السياسة التي تنجح فيها موسكو حاليا.