صدرت للكاتب عبد الحميد البجوقي رواية لامّة لـ”حكايات منفي” اختار عنوتها بـ”عبسليمو النصراني”.. ويعد هذا الإصدار الثاني من نوعه للأديب ابن مرتيل، ترى النور بدعم من مجلس الجالية المقيمة بالخارج، بعد “الموروخايمي” الصادرة قبل عامين اثنين.
“لم أتصور، أنا أريناس الأمازيغية المنخرطة في حركة تطالب الدولة الاعتراف بالهوية الأمازيغية و بالثقافة الأصلية، أن الأصل في الهوية هو الإنسان، وأن الانتماء لايرتبط بالأرض، وأن الوطن لاتسيجه الحدود، ولا اللغات ولا الديانات” تورد الرواية “المدافعة عن الأقليات المضطهدة بإسبانيا”.
الكاتب المغربي، الذي غادر المملكة بعد انتفاضة 1984 وصدر في حقه حكم غيابي بـ30 سنة سجنا من قضاء بلده الأمّ، عاش قرابة الـ16 سنة من النفي الإضطراري بإسبانيا.. وقد خاض خلال هذه المرحلة تجارب عدة، ونشط ضمن تنظيمات مدنية بصفته مؤسسا ورئيسا لجمعية العمال المهاجرين المغاربة بإسبانيا، وممثلا للمملكة الإيبيرية في المجلس الأوروبي، بلجنة مكافحة العنصرية تحديدا، كما تواجد بعدد من التنظيمات ذات نفس التوجه في الاشتغال إلى جوار مواظبته على كتابات مقالات رأي بعدد من المنابر.
خراب المسيحية
رواية البجوقي تحاول رصد وقائع على امتداد صفحاتها الـ134 بعدما دارت ميدانيا حول شخصية عبد السلام المغربي، أو”عبسليمو النصراني”، ذلك اليتيم الذي تربى بدار الرحمة للأيتام في مدينة طنجة، واعتنق المسيحية في سن السابعة العشرة.. وجاء ذلك، ترجيحا، للانتقام من القائم على إدارة الملجأ الخيري، المنتمي لجماعة دعوية معروفة لم يشر الكاتب لاسمها، لفعل قساوته وتزمته.
وبذات الفضاء تتطرق الرواية إلى تنصير “عبسليمو” المبكر وسط حنان لم تكتمه معاملات الراهبة خوانا.. وكذا الماضي المقترن بذات الشخصية التي عثر عليها متخلى عنها في مطرح نفايات بـ”عروسة الشمال.. وصولا إلى هروب “النصراني” من المغرب بعد توالي الاعتداءات والاضطهادات التي طالته دون أن تنال من إصراره على الوصول إلى إسبانيا.. لكنه وجد نفسه هاربا، ضمن المسار الجديد، من تهمة الهجرة السرية.
مورو بين الغجر
يعرج البجوقي على تاريخ الغجر الضارب في القدم، وكذا تموقع “خيطَانُوسْ” بمجتمع يتعايش فيه المسلمون واليهود والمسيحيون، كما يتطرق للمصائب التي حلت بالغجريين، و بباقي الإسبان، بدءً من طرد اليهود والمسلمين عقب سيطرة الكنيسة على أنفاس الجميع ونشرها لمحاكم تفتيش باسم الملّة، متذرعة بوجوب التوحد تحت سلطة ملك واحد ولغة واحدة ودين فريد.
وتورد رواية “عبسليمُو النصراني” أن الغجر يتعلقون بالحرية وهم المحبون للمرح والرقص.. ما جر عليهم القمع والملاحقة والمحرقة.. إلى أن أصبح التشنيع مصير كل من يخالف المساكين بمفاتيح المسيحية الكنسيّة أو يتصرّف خارج تطويقاتها.. فانهالت نيران الكنسيّين بالقصف على الأحرار بالفطرة.
حياة عبد السلام المغربي، المشتهر بتسمية “المورو” بين “خيطانوس” لم تكن أفضل من عيشته بطنجة.. فمن عاش منبوذا ومحتقرا كلقيط بمأوى خيريّ غدا مطاردا.. لكن عيشته الغجرية حمته بفضل عشاق الترحال الذين لا يؤمنون بالحدود ولا بوثائق الهوية.. مشاركا في مصارعة مستضيفيه لفرض أسلوب حياتهم.. فكان “عبسليمُو الخيطَانُو” الذي رادف معنى الإساءة إذا ما تم الفلاح في اعتقاله وهو بين الغجر.
زواج مختلط
حكايات المنفى “عبسليمو الصراني” هي يوميات ترصد معاناة المهاجرين غير النظاميّين والأقليات المضطهدة وسط إسبانيا، وحتى اقتصار مكان الحكي على فضاء الحي الصفيحي الغجري والحانة الكائنة به فإنه المحكي يتخطّى كل ذلك لنسج قصص واقعية.. فيرحل البجوقي بالقراء نحو كل القيم الإنسانية والتضحيات في سبيل الدفاع عن المحتقرين المطوقين بالاضطهادات.
الرواية تكشف كيف أن شهامة “الوافد من طنجة” ورجولته قد جعلتاه يكسب قلب نانوكَا الغجرية التي فقدت حبيبها رُومانو، صديق “عبسليمُو”، جراء تبادل لإطلاق النيران كان طرفه الثاني عناصر الحرس المدني الإسباني ليكون الزواج المختلط نهاية لمسار سرد هم ما أحاط بالثنائي من شخصيات، وسط سمات مقترنة بالوشاية والخيانة والصراع من أجل البقاء وفرض الذات وسط بيئة تضيّق على الأقليّة باسم الانتصار للماسكين بزمام القوّة.