الانفراد بالشرق الأوسط واكتساب صفة الصديق وراء عملية روسيا التأثير في الانتخابات الأمريكية!

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلادمير بوتين

توجد مؤشرات قوية على تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة (2016)، وهو أول تدخل مباشر تعترف به واشنطن وتعززه معطيات.  ويبقى التساؤل: هل التدخل الروسي جاء كرد على تدخل واشنطن في الانتخابات الرئاسية الروسية سنة 1996 أم أبعد من ذلك لتهميش دور البيت الأبيض في منطقة الشرق الأوسط وانفراد روسيا بالمنطقة. تبدو اتهامات الشرطة الفيدرالية إف بي آي بالتدخل الروسي من خلال تقديم المدعي العام روبر مولير منذ شهر اتهاما ضد 13 شخصا وهيئات بمحاولة التأثير على سير الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أوصلت دونالد ترامب الى البيت الأبيض مثيرة للغاية، وهذه التحقيقات قد تقود الى الرئيس دونالد ترامب نفسه، بما في ذلك احتمال استنطاقه وإقالته. وهذه الاتهامات مثيرة للغاية، وذلك أن المتعارف عليه هو تدخل واشنطن عبر مخابراتها في انتخابات عشرات الدول. وكانت أول عملية قامت بها المخابرات بالتدخل في انتخابات دولة أجنبية سنة 1948 في إيطاليا لمنع الطريق عن الشيوعيين. وهناك نكثة سياسية ذات سخرية دالة للغاية تقول لماذا لا تقع انقلابات في الولايات المتحدة، والجواب لأنه لا توجد سفارة أمريكية في واشنطن. ومن أبرز أدوار الولايات المتحدة في التدخل في الانتخابات هو ما قامت به المخابرات الأمريكية من تدخل في انتخابات روسيا سنة 1996 لتغليب كفة الرئيس بوريس يلتسن على حساب الزعيم الشيوعي غينادي زيوغانوف الذي كاد يفوز في الانتخابات. وقام فريق أمريكي بتقديم المشورة ليلتسن للفوز بهذه الانتخابات. ولو كان قد فاز الزعيم الشيوعي لما انفردت الولايات المتحدة بالعالم كما حدث في السنوات اللاحقة. وعملا، غابت روسيا عن مسرح الأحداث الدولية بعد تلك الانتخابات حتى عودة فلادمير بوتين. لقد راهنت روسيا على وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض رئيسا بدل المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وساهمت بطريقة أو أخرى عبر أذرعها الإعلامية في تقديم صورة مختلفة عن ترامب، وهي صورة رجل الحوار القادر على إنقاذ الاقتصاد الأمريكي من التدهور. ولا توجد دراسة أكاديمية تشرح مستوى الاختراق الذي قد تكون حققته وسط الرأي العام الأمريكي في هذا الشأن، ويجب انتظار نتائج التحقيق الذي يقوم به مولر رغم أنه سيقف عند الشق الجنائي وليس التأثير السياسي. ويوجد سببان رئيسيان دفعا بالكرملين الى الرهان على ترامب وهما: في المقام الأول، تبني ترامب خلال حملته الانتخابية أطروحة يؤمن بها جزء من الإدارة العامة للبلاد من مؤسسة عسكرية ودبلوماسية وسياسية وتتجلى في التعامل مع روسيا كصديق بدل استمرار التعاطي معه كعدو، وذلك لإبعاد روسيا عن الصين التي تصنف بالمنافس/العدو الحقيقي للقوة الأمريكية مستقبلا. وكان من أبرز دعاة هذا التيار المدير السابق للعمليات الخاصة الجنرال مايكل فلين الذي تولى لاحقا منصب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض قبل أن تعصف به التحقيقات حول الدور الروسي في الانتخابات. ويقول خبير أمريكي مطلع على خبايا الدراسات الاستراتيجية العميقة لألف بوست “هذا التيار يؤمن باحتمال تفاهم روسي-أمريكي لتصميم عالم جديد مع احترام مصالح كل طرف وخاصة وأن هناك روابط تجمع بين البلدين ومنها الدين المسيحي. في الوقت ذاته، كل حوار استراتيجي بين موسكو وواشنطن سيجعل بكين في مرتبة صعبة ولا يمكنها مواجهة قوتين كبرتين دبلوماسيا وعسكريا وستربح واشنطن الكثير كما موسكو”. ويؤكد “مع الأسف الشديد، توجد شريحة وسط الإدارة الأمريكية تفضل استمرار العداوة خدمة لمصالحها بدل الحوار الاستراتيجي مع موسكو”. “. هذا التيار المضاد يجد في فرضية تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية خير دليل للقضاء على المهد على التوجه الأول. في المقام الثاني، رغبت موسكو في وصول ترامب الى البيت الأبيض لإيمانه ب “أمريكا أولا”، وهو الشعار الذي يترجم عمليا برغبته في التقليل من التدخل في النزاعات الدولية وخاصة الشرق الأوسط والتركيز على القضايا الداخلية. ويبدو أن ترامب هو خير مكمل لاستراتيجية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي قال في مجلة أتلانتيك مارس 2016 بتراجع أهمية الشرق الأوسط في أجندة الولايات المتحدة. وعمليا، قرارات ترامب بعدم التدخل كثيرا في الشرق الأوسط بدأ يفسح المجال لروسيا التي بدأت تتحول الى الحكم السياسي والعسكري في نزاعات المنطقة.  

Sign In

Reset Your Password