تعد سنة 2022 من أسوأ سنوات الاتحاد الأوروبي خلال العقود الأخيرة، ففي الوقت الذي كان يأمل فيه للخروج من جائحة فيروس كورونا، تفاجئه حرب روسيا ضد أوكرانيا لتبرز أنه فاقد للبوصلة الجيوسياسية، وسيستمر تحت جناح الولايات المتحدة خوفا ليس من روسيا وحدها بل من الصين القادمة بقوى.
وخلال السنوات الأخيرة، تعرض الاتحاد الأوروبي لثلاث ضربات كبيرة داخليا، وهي، انسحاب بريطانيا التي كانت تمنحه قوة عسكرية واقتصادية وسياسية أكبر بحكم سلاحها النووي والفيتو في مجلس الأمن؛ ثم صعود اليمين القومي المتطرف الذي يهدد الوحدة الأوروبية ويعرقل تقدمها لاسيما في ظل انضمامه الى حكومات محلية ويسعى الى تقليص قرارات وتوصيات الاتحاد الأوروبي، وأخيرا تأثير جائحة كورونا التي ألحقت خسائر جمة باقتصاده مثل باقي الدول. وسعى الى جعل سنة 2022 سنة الإقلاع من جديد. وكان المفوض الأوروبي المكلف بالسياسة الخارجية الدفاع، جوزيب بوريل قد صرح منذ بداية السنة التي نودعها بتبني الاتحاد استراتيجية ليكون ضمن الكبار، الى جانب روسيا والصين والولايات المتحدة، وذلك من خلال نهج سياسة خاصة به في مجال الدفاع والسياسة الخارجية. وعمليا، خصص الاتحاد الأوروبي ميزانية ضخمة للبحث العلمي في المجال العسكري، كما خصص ميزانية لتطوير الدبلوماسية الأوروبية. غير أن التطورات الدولية، جعلت أحلام الاتحاد الأوروبي تتأجل وأصبحت غير واقعية على المدى القصير والمتوسط بسبب اندلاع حرب روسيا ضد أوكرانيا خلال فبراير 2022.
عكس الولايات المتحدة، لم تكن دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها فرنسا وألمانيا تنتظر غزوا روسيا لأوكرانيا سيعمل على خلق وضع جيوسياسي جديد ستكون أوروبا ضحيته الأولى. وعليه، فقد أظهرت الحرب الروسية ضد أوكرانيا، مدى ارتباط اقتصاد أوروبا بما تصدره روسيا من طاقة مثل الغاز والنفط أساسا وكذلك بعض المواد الأولية. وأصبحت أوروبا أمام معادلة صعبة، التخلي عن الغاز الروسي يعني انهيار الاقتصاد الأوروبي بما يفوق 15%. كما أصبحت أمام مفارقة كبرى، فهي تهدد بالتخلي عن واردات الطاقة لكنها توقع اتفاقيات مع موسكو، وبالتالي تعمل على تمويل هذه الحرب التي تصب ضدها، وهذه سابقة في التاريخ.
واكتشف العالم كيف تحتل دول أوروبية المراكز الأولى في بيع الأسلحة نحو باقي دول العالم، ولاسيما دولتي فرنسا وألمانيا، لكن هذه الدول تفتقد للأسلحة النوعية، سواء الهجومية أو الدفاعية ثم الذخيرة الكافية لمواجهة روسيا في حالة اندلاع حرب. ويكفي أنه رغم إصرار أوكرانيا على الحصول على أسلحة متطورة من أوروبا، وباستثناء السلاح الأمريكي، فهي مازالت تعتمد على السلاح السوفياتي في مواجهة روسيا. وتأتي هذه الحقيقة المرة رغم رغبة الاتحاد الأوروبي في بناء جيش موحد وصنع أسلحة مشتركة بين الدول الأعضاء. هذا التطور المقلق يبرز حقيقة واحدة، وهي استمرار الاتحاد الأوروبي مستقبلا في رهانه على المظلة الدفاعية الأمريكية في مواجهة روسيا. وقد بدأت معظم دول الاتحاد الأوروبي ومنها ألمانيا في شراء السلاح الأمريكي مثل المقاتلة إف 35 بدل انتظار تطوير مقاتلة محلية.
وهذا سيجر مباشرة الى ضعف نفوذه الدبلوماسي في العالم. وعلاقة بهذه النقطة، شكلت الحرب الروسية ضد أوكرانيا حقيقة ضعف النفوذ الأوروبي في الخريطة العالمية. اعتقدت دول الاتحاد الأوروبي بتمتعها بنفوذ على دول إفريقية وأسيوية ومن أمريكا اللاتينية، ولهذا تزعمت الحرب الدبلوماسية ضد روسيا، كما تزعمت سياسة العقوبات، وحاولت إقناع دول أخرى للمشاركة في هذه العقوبات ومنها الافريقية. وكانت المفاجأة الكبرى وهي أن عواصم الاتحاد الأوروبي مثل باريس في الأساس، ثم روما وبرلين ومدريد وجدت كلمة «لا» كبيرة من طرف عدد من الدول الإفريقية والعربية. فقد بدأت هذه الأخيرة تفضل الدفاع عن مصالحها وأنهت سياسة التبعية التي سادت طويلا في المحافل الدولية. ويعد خسارة فرنسا لنفوذها في إفريقيا ومنها منطقة الساحل، هي خسارة للاتحاد الأوروبي بحكم قيادة فرنسا للاتحاد في مجال الدبلوماسية لاسيما بعد انسحاب بريطانيا من العائلة الأوروبية.
تستمر دول الاتحاد الأوروبي كقوة اقتصادية بفضل الوحدة النقدية “اليورو” والتنسيق في بعض القرارات الدولية، لكن سنة 2022 وخاصة بعد الحرب وبدء تشكيل عالم جديد متعدد الأقطاب أن الاتحاد الأوروبي لن يتحول إلى قوة ضمن نادي الكبار اقتصاديا مثل روسيا والولايات المتحدة، واقتصاديا مثل الصين والولايات المتحدة. سيستمر الاتحاد الأوروبي رهينة الضغط العسكري الروسي، وسيستمر متخوفا من الصعود الاقتصادي الصيني، وغير قادر على بناء علاقة الندية مع الولايات المتحدة ولا خيار له من الاستمرار تحت مظلتها العسكرية.