تدرس المفوضية الأوروبية توحيد معايير الدول الأعضاء في ملف حساس وهو الهجرة بشقيها القانونية والسرية. لكنها في الوقت ذاته، تريد التركيز على جانب آخر لم يحقق فيه الاتحاد الأوروبي نتائج تذكر ويتعلق باستقطاب الأطر المكونة من الخارج لسد خصاص خاصة في المستقبل. وفي حالة تطبيق هذه السياسة، ستكون ذات انعكاسات سلبية على الدول ومنها المغرب، وإن كان هذا البلد لا يولي اهتماما حقيقيا بأطره.
ويعتبر ملف الهجرة من الملفات الحاضرة بقوة في أجندة الدول الأوروبية خاصة خلال هذه الأزمة، حيث تقع توترات ليس فقط فيما يخص هجرة الأفارقة في السواحل الجنوبية مثل إيطاليا واليونان واسبانيا بل في هجرة مواطنين أوروبيين من الجنوب مثل الإسبان والبرتغاليين واليونانيين نحو دول مثل المانيا وبريطانيا، هذه الأخيرة التي تهدد بطردهم.
وترغب المفوضية الأوروبية في نهج سياسة مختلفة لا تركز فقط على الجانب الأمني بل تنتقل الى استقطاب الأطر. وتؤكد مصادر أوروبية لجريدة القدس العربي أن هناك مشروع قيد الدرس سيعرض خلال شهر يناير أو فبراير المقبلين للاتفاق حوله، ويتعلق باستقطاب أوروبا للأطر ذات المستوى العالي لسد حاجيات الكثير من القطاعات وخاصة قطاعات تعتبر استراتيجية مستقبلا.
وبحثت الدول الأوروبية هذا المشروع في الماضي، وكانت أبرزها فرنسا إبان رئاسة نيكولا ساركوزي الذي حاول تقليد النموذج الأمريكي في استقطاب الطاقات والأطر. ولكن أوروبا فشلت، والآن تجد منافسة في هذا الشأن ليس فقط من الولايات المتحدة التي لديها تجرية طويلة في هذا المجال بل من دول مثل البرازيل والصين أساسا التي تستقطب الأطر من العالم بفضل سياسة جديدة في مجال الهجرة.
وطبقت الدول الأوروبية مشروعا مشابها ابتداء من سنة 2011 تحت اسم “البطاقة الزرقاء” الذي يمنح العمل للعمال المؤهلين القادمين من الخارج، لكنه أبان عن محدوديته بشكل كبير للغاية. ولم يسجل النتائج المرجوة لأنه غلب عليه الطابع الأمني وتزامن والأزمة الاقتصادية التي يمر منها الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن.
ومن ضمن الجديد في هذا المشروع أنه لا يتعلق فقط باستقطاب أطر من الخارج بل تقديم إغراءات للمهاجرين من الطلبة والباحثين الذين حصلوا على تكوين في الجامعات الأوروبية البقاء في أوروبا وعدم العودة الى أوطانهم الأصلية.
وتفيد تقارير صادرة عن المفوضية الأوروبية بأن بعض الدول الأوروبية ستعاني مستقبلا من نقص حاد في أطر للإشتغال في مجالات معينة وعلى رأسها مجالات واعدة مستقبلا بسبب التراجع الديمغرافي وفي الوقت ذاته بسبب عدم تخرج الأطر الكافية حتى الوقت الراهن.
وفي حالة تطبيق هذه السياسة الجديدة، ستركز الدول الأوروبية على مستعمراتها السابقة خزانا للأطر، وستكون كارثية مستقبلا على الكثير من الدول النامية وخاصة دول المغربي العربي التي سترى كيف الكثير من أطرها تفضل الهجرة أو البقاء في أوروبا.
وعمليا، استفادت أوروبا من الكثير من الأطر المغربية على مستويين، الأول هو استقطاب المغاربة من داخل المغرب، وحدث هذا عند تطبيق المغرب المغادرة الطوعية، حيث انتقل عدد من الأطباء والمهندسين للعمل في فرنسا. وفي الوقت ذاته، تغري دول أوروبية وعلى رأسها فرنسا الطلبة المغاربة المتفوقين بالبقاء في أراضيها خاصة إذا كانوا خبراء في مجالات المستقبل مثل الطاقة المتجددة والطب والمعلوميات.
ومما يساعد على هذه السياسة، هو محدودية الأفق في المغرب لاسيما في ظل غياب سياسة واضحة قائمة على البحث العلمي للنهوض بمختلف القطاعات.