أصدرت الدولة المغربية مجموعة من الأوراق النقدية الجديدة تتضمن معطيات سياسية واقتصادية وطبيعية، لكنها لا تعكس العمق التاريخي والتنوع الحضاري للمغرب بسبب اقتصار مضمونها على اللحظة الحالية وكأن المغرب بلد جنيني دون إبراز مخطات تاريخية طبعت تاريخ البلاد بل والمنطقة.
والأوراق النقدية التي ستدخل دورة المعاملات المالية في البلاد ابتداء من منتصف 15 غشت هي من فئة 20 و50 و200 درهم وتأتي ضمن تحدث الأوراق النقدية في المغرب.
وفي البيان الذي عممته دار السكة حول هذا الصدور الجديد، فقد اعتمد مصممو الأوراق على مفاهيم التنمية المتمثلة في الميناء المتوسطي والسياسية تتجلى في الصحراء المغربية والطبيعية في شجرة اركان وشلالات أوزود والتاريخية في منارة كاب سبارتيل في طنجة علاوة على صورة الملك محمد السادس كعنصر رئيسي في هذه الأوراق النقدية.
وقراءة مضمون الأوراق النقدية المغربية الصادرة خلال العقد الأخيرة يبدو وكأنها مرتبطة باللحظة على شاكلة قرارات بعض البلديات، أي عندما يصل ملك جديد الى البلاد يتم تغيير اسم الشوارع لتحمل اسمه، وكذلك قرارات رياضة حيث تصبح دوريات معنية تحمل اسم الملك. ومنذ تولي الملك محمد السادس العرش، تنافست البلديات في هذا الشأن، وانتقلت العدوى الى الأوراق النقدية.
ومضمون الأوراق النقدية الجديدة على شاكلة القديمة يقدم المغرب دولة بدون تاريخ ممتد عبر قرون، دولة بدون مساهمة في تاريخ الإنسانية، ودولة بدون قادة ومفكرين. وإصدار هذه الأوراق لا يخضع لتصور يعكس غنى التاريخ المغربي الممتد من قرون قبل الميلاد الى وقتنا الراهن وأعطى أسماء من قبل يوبا الثاني وطارق بن زياد ويوسف بن تاشفين وسيدي محمد بن عبد الله ومحمد بن عبد الكريم الخطابي وابن خلدون ولسان الدين ابن الخطيب وابن بطوطة والشريف الإدريسي.
والدول الواعية بتاريخها، تجعل من أوراقها النقدية مرآة حقيقية لتاريخها تبرز من خلاله أمجادها السياسية والثفافية والعلمية، إذ تصبح الأوراق النقدية كتابا للتاريخ.
ومن باب المقارنة للبحث الذي قامت به ألف بوست، فقبل انضاممها الى العملة الموحدة اليورو، كانت الأوراق النقدية الفرنسية تعكس الحضارة الفرنسية سواء القديمة أو الحديثة. وكانت هناك أوراق مثل 50 فرنك فرنسي تقدم الكاتب سانت إيكسبوري، وورقة 500 فرنك فرنسي تبرز العالمين بيير وماري كوري، وأخرى تبرز التشكيلي بول سيزان والروائي فيكتور هوجو علاوة على أوراق أخرى تقدم وجوها سياسية. ويحدث الأمر نفسه مع جمهوريات مثل الولايات المتحدة والمانيا وإيطاليا ومصر وجنوب إفريقيا.
وفي حالة دولة ملكية مثل المغرب وهي اسبانيا، فالأوراق النقدية من فئة البزيتة كانت تعكس تاريخ البلاد. فبعضها كان يتضمن صور الملك خوان كارلوس، لكن الأغلبية كانت تضم وجوه من قبل المكتشفين الكبار أمثال كريستوفر كولومبس، وهيرنان كورتيس وروائيين مثل سيرفانتيس وموسيقيين مثل مانويل فايا ضمن آخرين. وبدورها، تعكس الأوراق المالية لملكيات أخرى مثل بريطانيا وهولندا والسويد التاريخ الحقيقي للبلاد.
ولا تتجلى المفارقة فقط في غياب أوراق نقدية مغربية تبرز غنى التاريخ المغربي بل في قيام حكومات أخرى بطبع أوراق نقدية تضم شخصيات مغربية كما فعلت حكومة جبل طارق عندما أصدرت ورقة نقدية من فئة خمس جنيهات تحمل صورة طارق بن زياد.