لم يكن نجما لكرة القدم، ولكم يكن نجما في عالم الغناء والتمثيل إلا أن اسمه معروف على نطاق واسع، إنه الأديب العالمي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز صاحب رائعة “مائة سنة من العزلة” الذي توفي يوم 17 أبريل في موطنه الثاني، المكسيك وتبكيه أمريكا اللاتينية. رحل بعدما حجز لنفسه مكانة بين عظماء الإبداع الأدبي في التاريخ، اسم الى جانب أسماء كبيرة مثل فيكتور هيجو وشيكسبير ونجيب محفوظ وتولستوي.
وناذرا ما يتصدر خبر رحيل مفكر أو أديب الصفحة الأولى للجرائد العالمية ويكون من الأخبار الرئييسية في نشرات الأخبار التلفزيونية والإذاعية، ولكن هذا حدث أمس الخميس واليوم الجمعة، حيث تغلب خبر رحيل غارسيا ماركيز عن سن تناهز 87 سنة في المكسيك إعلاميا على ملفات وأخبار التوتر المتعلقة بالحرب سورية الملف الأوكراني.
ولد هذا الأديب سنة 1927، واسمه الكامل غابرييل خوسي دي لا كونكورديا غارسيا ماركيز، واشتهر باسمه الثلاثي غابرييل غارسيا ماركيز وبين أصدقاءه ووسط الكتاب بلقب “غابيتو”.
منذ صغره تحدى إرادة الأب الذي أراد أن يجعل منه محاميا شهيرا، وقرأ القانون ولكنه ما لبث أن مال الى الكتابه، ولم يبدأ روائيا بل بدأ صحفيا يسجل ما يجري حوله في جريدة أونفرسال الصادرة في كارتاخينا، ويكتب بأسلوب سيعرف لا حقا ب “الواقعية السحرية” الذي سيخط به روايته الشهيرة “مائة سنة من العزلة” التي تطلبت منه قرابة سنتين من الكتابة، 1965 و1966 يري فيها حياة أجيال من عائلة بوينديا في بلدة كاكوندو، حيث كل شخصيات الرواية محكومة بالعزلة. وسينشرها سنة 1967 في الأرجنتين للتحول لاحقا الى ما يعتبره النقاد “كتاب يعبر عن قارة أمريكا اللاتينية”.
وتحولت هذه الرواية الى علامة في مسيرة غارسيا ماركيز وأدب أمريكا اللاتينية، فقد باع في أسبوع واحد ثمانية آلاف نسخة، وطبعت دار النشر أسبوعيا نسخة جديدة حتى وصلت الى نصف مليون في ظرف ثلاث سنوات وترجمت الى 24 لغة، وهذه الأرقان في الستينات تعتبر قياسية مقارنة مع اليوم.
وبين سنتي 1952 الى 2010، كتبت “غابيتو” أكثر من أربعين كتابا أغلبها روايات وبعض الكتب الفكرية حول الصحافة مثل “الصحافة النضالية”، من ضمن الأربعين توجد روائع مثل “الساعة السيئة” سنة 1962، و”مائة سنة من العزلة” سنة 1967، و”خريف الباتريارك” سنة 1975 و”عملية كارلوتا” سنة 1977 و”وقائع موت معلن” سنة 1981 “الحب في زمن الكوليرا” 1985، و “خبر اختطاف” سنة 1966، وآخر ما ألفه غابرييل غارسيا ماركيز هو كتاب “لم آت لألقي خطابا”.
واشتهر هذا الأديب “بالواقعية السحرية”، ويعتبر من أبرز روادها وتقوم على معالجةالواقع اليومي والعادي في قالب يقترب من الفنتازيا ومنح طابع أسطوري للشخصيات، كما حدث في “مائة سنة من العزلة”. أبدع في أسلوب وفي رصد شخصيات وأحداث حتى جعل من الكتاب يعبر عن أمريكا اللاتينية برمتها.
وسيفوز غارسيا ماركيز بنوبل للآداب سنة 1982، وهو من أصعر الأدباء الذين حصلوا على هذه الجائزة التي تعتبر الأرفع بين الجوائز الأدبية، وجاء في بيان الهيئة التي تمنح نوبل “لرواياته وقصصصه القصيرة، حي تمتزج الفانتازيا بالواقع في عالم هادئ وغني بالخيال، يعكس حياة ونزاعات قارة بكاملها”.
آلاف التصريحات والبيانات الصادرة عن حكومات وهيئات فنية وأدباء في العالم ترثي رحيل غارسيا ماركيز، لكنه التكريم والرثاء الحقيقي يوجد في شبكات التواصل الاجتماعي في أمريكا اللاتينية، مئات الآلاف ودعوا غابرييل بتعبير “العظماء لا يرحلون، غارسيا سيستمر متواجدا معنا، إنه أمريكا اللاتينية”.