أصدر القضاء المغربي، وفق عدد من المنابر الإعلامية المحلية، حكما بحل جمعية “جذور”، وذلك بمبادرة من النيابة العامة التي رفعت دعوى ضدها. لكن يبقى التساؤل العريض والكبير الذي لا ترغب الدولة المغربية الإجابة عنه: لماذا لا يتحرك القضاء بالسرعة نفسها والجدية نفسها في ملفات الفساد ومنها السطو على ممتلكات الشعب المغربي وملف التعليم.
وتنشط جمعية جذور في العمل الجمعوي منذ سنوات، ولكنها تصدرت الواجهة الإعلامية والسياسية خلال الصيف الماضي عندما نظمت نقاشا تحت عنوان “ملحمة العدميين” بمشاركة مثقفين الذين عالجوا المشاكل الكبرى التي تعاني منها البلاد. ومن النقط التي جرى التركيز عليها مسؤولية الملك في اتخاذ القرارات وما يترتب عنها من إيجابيات وسلبيات وقضية المحاسبة.
وتعرضت الجمعية لهجمات سياسية وإعلامية وبادرت زوارة الداخلية عبر النيابة العامة بتقديم دعوى لحل الجمعية لاسيما بعد الاهتمام الكبير ببرامجها من طرف الرأي العام. وفي دولة مثل المغرب يسجل القضاء إيقاعات متعددة، أصدر هذا القضاء قراره بحل الجمعية.
قرار الدولة المغربية غير صائب بل وردة حقوقية حقيقية في ظل ما يعيشه المغرب حاليا من تراجع ملحوظ. ولن يتعدى مفعوله إغلاق مقر الجمعية وسحب الترخيص، لكن لا يمكن ترجمة المنع الى واقع ملموس، وهذا سيجر الى التساؤل التالي: هل منع جمعية جذور سيجعل المغاربة لا يناقشون قرارات الملك؟ الجواب بطبيعة الحال لا، في دولة ارتفع فيها الوعي السياسي وتعيش مشاكل هيكلية، لا يمكن منع ساكنتها من نقاش أي مؤسسة تشارك في اتخاذ القرار وخاصة مؤسسة بحجم الملكية.
في الوقت ذاته: هل القرار صائب من الناحية العملية؟ الجواب لا، بحكم أن أعضاء الجمعية، ورغم المنع، وبشكل فردي ومستقل وخارج إطار الجمعية يمكنهم تنظيم نقاشات عبر شبكات التواصل الاجتماعي وعرضها للرأي العام، ذلك أن الدولة المغربية لا يمكنها منع ما يعرض في شبكات التواصل الاجتماعي إلا إذا حجبت هذه المواقع مغربيا، كما فعل الرئيس التركي طيب رجب أردوغان مع يوتوب سابقا، لكن قراره بقي بدون مفعول وتأثير في ظل وجود آليات مثل VPN التي تسمح بتجاوز كل رقابة.
وهذا الحكم المفاجئ يجعل الكثير من المغاربة خاصة نشطاء المجتمع المدني والحقوقيين يتساءلون: لماذا يعمل القضاء المغربي بسرعة فائقة تفوق القطار السريع “البراق” في ملفات يفترض أنها تمتد الى ما يعتقد “هيبة الدولة”، بينما ينهج إيقاع السلحفاة في ملفات تمس الشعب المغربي مثل الجرائم التي ارتكبت في التعليم أو يلتزم الصمت مثلما هو الحال في ملفات تحتاج التحقيق مثل ملف خازن المملكة نور الدين بنسودة أو جريمة أراضي خدام الدولة.
عندما ينظر المسؤولون عن القضاء في المرآة في الصباح بعدما يستيقظون يجب أن يتساءلون: هل ضميرهم مرتاح بسبب الإيقاع المختلف في قضايا تهم الدولة والشعب؟ نتمنى من القضاء المغربي العثور على بوصلة التوفيق بين مصالح الدولة وحقوق الشعب المغربي.
نتمنى توضيحات من قضاة أو أعضاء النيابة العامة حول ازدواجية القصاء المغربي، فهل من ….