افتتاحية: من المسؤول عن فشل التنمية وكيفية إنقاذ الوطن من التخلف؟

جاء المغرب في المرتبة 123 في تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية سنة 2018، وهي المرتبة نفسها التي احتلها سنة 2006، وهذا يدل على غياب تقدم، مما يجعل مجموعة من الأسئلة تفرض نفسها ومنها: من المسؤول عن هذا التخلف التاريخي للمغرب؟ وهل ستتحرك الدولة لاستدراك تخلف المغرب أمام الأمم وخاصة في محيطه؟

وطيلة العقد الماضي والحالي لم يغادر المغرب المراكز العشرين بعد المائة سوى مرة واحدة، وكان سنة 2010 باحتلاله المرتبة 114. واحتل مثلا سنة 2007 المرتبة 126، وتراجع الى 130 سنة 2019 وهي المرتبة التي احتلها سنتي 2012 و2013 بينما ربح نقطة واحدة سنة 2014 باحتلاله المرتبة 129. وخلال الثلاث سنوات الأخيرة، 2016، 2017 و2018 يقبع في المركز 123.

ويبقى المثير في الأمر هو أن تقرير سنة 2006 تزامن تقريبا وانطلاق مشروع التنمية البشرية الذي أشرفت عليه الدولة، ومنذ ذلك الحين الى غاية 2018 بقي المغرب قابعا في مراتب غير مشرفة.

واعتادت الدولة نهج سياسة البروباغندا في الترويج لمشروع التنمية البشرية وتقديم أرقام مثيرة حول نسبة المشاريع، لكن تقييم هذه المشاريع وتقييم القطاعات الرئيسية والحيوية لكل أمة ومنها التعليم والصحة والشغل ونسبة الرفاهية تحكم على المغرب  بالفشل الواضح تنمويا.  لا يمكن للمغرب كضعو في المجتمع الدولي الاستمرار في التشكيك المطلق في أرقام منظمة دولية تنهج معايير تبقى علمية وتطبقها على الجميع، لا يمكن للمغرب التحجج بالإستثناء المغربي، لا يستقيم في هذه الحالة، بل على المغرب الاستفادة من الملاحظات لإصلاح الوضع.

المستشفيات المغربية رديئة، المدرسة المغربية وصلت الى الحضيض، الشغل يكاد يغيب من قاموس الشباب المغربي وحلت محله الهجرة في قوارب الموت بديلا، والفوارق الطبقية أصبحت صارخة بشكل مرعب يهدد استقرار الوطن برمته وليس فقط الدولة، والاستياء بلغ مبلغه وسط المجتمع، بينما المديونية رهنت مستقبل الأجيال المقبلة إلا إذا وقعت معجزة، ويكاد يصبح الفساد من أركان البلاد.

أمام هذا الوضع المقلق بكل ما تحمله كلمة مقلق من حمولة عميقة، الوطن والوطنية الحقيقية، وليس تلك الزائفة التي يختبئ وراءها البعض ويرفعها كسيف ديموقليس أمام كل نقد بناء يلقي الضوء على الثغرات، يتطلب مجموعة من الإجراءات وهي:

في المقام الأول، الاعتراف بمسؤولية خطورة الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي تمر منه البلاد بعدما لم تنجح مشاريع “التنمية البشرية” في الواقع ولكنها نجحت في وسائل إعلام الدولة.

في المقام الثاني، التحلي بالشجاعة في تحديد الأسباب الحقيقية وراء فشل التنمية في المغرب والتي لا يمكن فصلها عن الرؤية السياسية الضيقة وتهميش الأطر وغلبة المفهوم الأمني وسمو الولاءات على الكفاءات علاوة على عمليات النهب الممنهج التي تعرضت لها ممتلكات الأمة المغربية.

في المقام الثالث، التفكير وتخطيط مشروع تنموي حقيقي بعد دراسات حقيقية للواقع بعيدا عن دراسات فوتوشوب وحلول إكسبرس، إذ لا يعقل أنه بعد كل خطاب ملكي حول فشل أو قصور التنمية نسمع عن تجنّد مختلف مؤسسات وهياكل الدولة لإنجاح التنمية الملكية، وهي عبارات تكرر منذ سنوات، بينما الوضع يزداد إلا ترديا وتقهقرا. التفكير في مشروع تنموي بعيد عن التصورات الزائفة التي ترى في إنشاء أول قطار سريع في العالم العربي سبقا، وترى في تنظيم المغرب أضخم مهرجان فني سبقا، بينما السبق الحقيقي هو الرهان على تأهيل البنية التحلية من مستشفيات ومدارس ومصانع لتحقيق الاقلاع الاقتصادي والانتقال الى الرفاهية.

إن احتلال المغرب الرتبة 123 في التنمية البشرية فضيحة تاريخية على ضوء المؤهلات البشرية التي تتمتع بها البلاد والموقع الجغرافي، والوطنية الحقة، وليس تلك الزائفة، تتطلب الاعتراف بالواقع والبدء في إصلاحه.

Sign In

Reset Your Password