افتتاحية: مأساة شاطئ المحمدية تؤكد موت الضمير الإنساني للدولة المغربية

مآسي الهجرة السرية

غامر 56 شابا وشابة بحياتهم في قارب مطاطي من مياه المحمدية نحو أوروبا، وباستثناء ثلاثة لقي الآخرون حتفهم بين من لفظ البحر جثثهم وبين من أصبح في عداد المفقودين وربما الى الأبد. يحصل كل هذا في ظل صمت رسمي للدولة المغربية.

ولم تعد أخبار غرق مهاجرين مغاربة تصدم الرأي العام المغربي، فقد تعود عليها منذ ثلاثة عقود، لكنها اكتست بعدا خطيرا اجتماعيا وسياسيا خلال السنوات الأخيرة بسبب عنف المآسي التي تفجر غضبه بين الحين والآخر مثل مقتل الشابة حياة منذ سنة على أيدي البحرية الملكية،

والآن، يتابع الرأي العام المغربي مأساة جديدة وهي غرق قارب على متنه 56 مغربيا ومغربية في عنفوان الشباب، خرجوا منذ أيام من شواطئ المحمدية في اتجاه “الفردوس الأوروبي” ونجى منهم ثلاثة، غامروا بحياتهم رغم البعد الجغرافي عن شواطئ أوروبا ومخاطر مواجهة موج المحيط الأطلسي بدل البحر الأبيض المتوسط.

ولا يمكن تفسير هذه المغامرة القاتلة سوى بهروب الشباب من وطأة الفقر المرعب وشدة اليأس المخيف وظلامية الحاضر والمستقبل والتفاوت الطبقي القاتل الذي حل بالمغرب وكأنه طاعون.

ورغم فجاعة المأساة، التزمت الدولة المغربية بكل مؤسساتها وأجهزتها الصمت، ولم يصدر بيان رسمي، ولم يطلع مسؤول في وسائل الاعلام لتعزية الشعب المغربي وتقديم شروحات. وهو موقف منطقي للدولة المغربية، فهذا التصرف اللامبالي تؤكد موت ضميرها الإنساني قبل السياسي، صمتها هو مظهر من مظاهر احتقارها لأبناء الشعب المغربي. ومنطقيا كذلك، لا يمكن انتظار مواساة من دولة أجهضت حلم الشباب، فكل مواساة هي بمثابة كلمات الرثاء من قاتل في حق القتيل.

وعلاوة على صمت الدولة، تلتزم معظم الأحزاب الصمت، فالمصاب جلل، وفاة 53 شابا وشابة من شباب المغرب، لم تصدر بيان تعزية، ولم تطالب الدولة بتفسيرات، ولنها بكل وقاحة ستطلب من الشباب التصويت في الانتخابات المقبلة.

ولم تحرك الفاجعة ضمير أغلبية المثقفين والفنانين، فقد اعتادوا التضامن مع مآسي الآخرين، ما وراء الحدود، ويتجاهلون التضامن مع أبناء جلدتهم.

مأساة شاطئ المحمدية تأتي لتؤكد موت الضمير الإنساني للدولة المغربية وأغلبية الأحزاب السياسية والمثقفين.

 

 

Sign In

Reset Your Password