افتتاحية: لا يمكن بلورة نموذج تنموي جديد بدون صحافة حرة في المغرب

الصحافة الحرة

عادت الدولة المغربية الى البحث عن نموذج جديد للتنمية بعدما فشلت التجارب السابقة، لكنه لاي مكن بلورة النموذج الجديد وتحصين تنفيذه في غياب حرية التعبير وأساسا صحافة مستقلة، وهي الصحافة التي قضت عليها الدولة.

وطيلة السنوات الأخيرة، اعترف الملك محمد السادس بفشل النموذج التنموي، وذلك بشهادة مختلف التقارير الوطنية والدولية وأساسا معطيات الواقع المفجع حول التعليم والصحة والشغل، ويكفي الاطلاع خلال الأيام الماضية على مضمون تقريري كل من البنك الدولي الذي انتقد طريقة تدبير الدولة للتنمية وتحدث عن الفساد، وتقرير منظمة اليونيسكو الذي يتحدث عن حرمان أكثر من مليون طفل من التمدرس. نعم يحدث هذا في المغرب القرن الواحد والعشرين الذي من ضمن الشعارات التي جرى رفعها “اللهم كثر حسادنا” و”المغرب ستكون دولة صاعدة”. قد أوهمت الدولة نفسها بالنجاح، وبنت وسائل إعلام “تطبل” لها في هذا الشأن. إن أكبر عدو للإنسان والهيئات والدولة هو الوهم بالنجاح.

عديدة هي العوامل التي جلعت المغرب يفشل في التنمية البشرية منها الاعتماد على الولاء بدل الكفاءات، والرهان على سياسة الماركتينغ الرخيص بدل البرامج الصلبة التي تعطي الثمار على المدى المتوسط والبعيد كما حدث في عدد من الدول، وغياب نقد حقيقي.

وعلاقة بالنقد الحقيقي البناء، قد يتجلى في جرأة الخطاب السياسي للهيئات، لكن هذا الخطاب غائب في مؤسسات الدولة، حيث تميل الأحزاب كل مرة مع خطاب المؤسسة الملكية، بينما أحزاب وهيئات صريحة في خطابها مثل اليسار الاشتراكي لموحد والنهج الديمقراطي تبقى على الهامش. في الوقت نفسه هذا الخطاب يتجلى في صحافة حرة ومستقلة عن الدولة.

لقد عاش المغرب منذ منتصف التسعينات وحتى نهاية العقد الماضي صحافة مستقلة وحرة وبناءة، كانت تلقي الضوء على مختلف التجاوزات بهدف تصحيحها، لكن الدولة لم تستوعب دور الصحافة الحرة، وبدأت عملية تفكيك هذه الصحافة عبر آليات متعددة الحرمان من الإشهار الاعتقال حملات التشهير المقيتة. وكانت النتيجة غياب منابر جريئة وهجرة صحفيين وبقاء القليل يصارع في أجواء غير متوازنة وإلقاء بآخرين في السجون مثل حالتي حميد المهداوي وتوفيق بوعشرين.

من خلال تحليل مضمون الصحافة المستقلة، سنجد أن ما استنتجته الدولة متأخرة من فشل نموذجها التنموي، قد نبهت إليه هذه الصحافة المستقلة منذ سنوات. فقد حذّرت من انتشار الفساد المريع والمرعب، كما نبهت كيف يعمل المخزن على تطعيم الإدارة بمسؤولين غير أكفاء بل ودعم آخرين للبقاء في مناصب استراتيجية حتى تحولوا الى ملوك صغار يمتلكون القرار في منح التأشيرة لهذا أو ذاك. وهذه التصرفات إن كان البعض يعتقد أنها تعزز من هيبة آليات الدولة، فهي في العمق تضر بمصالح الشعب والأمة المغربية، حيث يصبح شرخ كبير بين مصالح الدولة وبين مصالح الشعب الوطن.

لقد حان للدولة أن ترفع يدها عن الصحافة وتترك للمنابر الإعلامية الحرة تشق طريقها نحو التطور، وذلك عبر التخلي عن التحكم في الإشهار، ووقف الملاحقات ضد الصحفيين والبدء بالافراج عن كل من المهداوي وبوعشرين وضمان محاكمات عادلة.

الدول الحرة والمتقدمة تتوفر على صحافة حرة وجريئة تكون بمثابة ضمير الأمة، وتساهم رفقة فاعلين آخرين في السير العادي والمتين للبلاد، الأمر الذي لا يحدث في المغرب. فهل يمكن بلورة وتطبيق النموذج الجديد للتنمية بدون صحافة حرة في المغرب؟ بطبيعة الحال، سيكون مآله الفشل بل واستمرار سياسة الماركتينغ السياسي والتنموي الرخيص.

Sign In

Reset Your Password