افتتاحية: عدم إنشاء شرطة- ونيابة عامة مستقلة لمحاربة الفساد يعني فشل كل نماذج التنمية التي يدعو إليها الملك

رمز ضد الفساد

طرح العاهل المغربي محمد السادس في خطابه بمناسبة عيد العرش من الأسبوع الجاري التفكير في نموذج تنموي جديد، ومن ضمن الشروط الرئيسية لإنجاح هذا النموذج هو الشفافية المطلقة، وتترجم عمليا بمحاربة حقيقية للفساد.

ولم تخصص الدولة المغربية حتى الآن أي اهتمام حقيقي لمحاربة الفساد، حيث نجد من جهة، صمت الدولة المغربية خاصة القضاء عن حالات الفساد المريعة والمرعبة خاصة التي يأتي فيها ذكر أسماء المقربين من القصر أو السلطة عموما، ومن جهة أخرى غياب ثقة المواطن في كل المقترحات وبالتالي المؤسسات نتيجة غياب دور فعال للدولة في محاربة الفساد.

وتبرز مختلف التجارب الخاصة بالتنمية فشل أغلبية النماذج بسبب غياب المحاسبة وهو ما يترتب عنها الفساد الحقيقي الذي ينخر البلاد، حيث تستفيد نسبة قليلة من المواطنين المقربين من السلطة أو في مناصب عليا خاصة المرتبطة بقطاعات اقتصادية والعقار، بينما يعيش باقي الشعب في وضع مزري.

وتعد محاربة الفساد أولوية للدول التي تحترم مؤسساتها وتحترم شعبها، ولهذا فهذه الدولة تتوفر على أجهزة خاصة بمحاربة الفساد، وعيا منها بأن التساهل مع الفساد هو بداية انهيار القيم وانهيار الدولة. ولهذا الغرض، أنشأت الدول التي تحترم شعوبها شعبة شرطة واستخبارات قوية متخصصة في ملاحقة الفاسدين سواء مهربي الأموال أو المتهربين من الضرائب أو الذين يتلاعبون بالصفقات. وفي الوقت نفسه، عززت عمل الشرطة بنيابة خاصة لمحاربة الفساد.

ومن ضمن المفارقات المخزية، أنه غداة نشر الصحافة العالمية للحسابات السرية للكثير من الفاسدين في العالم، رأينا كيف فتحت الدول الأوروبية وأمريكا اللاتينية والأسيوية باستثناء العربية منها تحقيقات في الوثائق المنشورة. وعندما سئل وزير العدل المغربي وقتها مصطفى الرميد عن الإجراءات التي ستتخذها وزارته، وكان جوابه المخزي والدنيئ “الوزارة لا تتوفر على خبراء”، والواقع أنه لم يخف من الله بل خاف من أسياده الذين وردت أسماءهم في تلك الوثائق وهو يدرك أنه لا يمكنه تحريك ساكن أمامهم.

لقد أنشأ، المغرب جهازا خاصا لمحاربة الإرهاب، وخصص محكمة خاصة للبث في قضايا الإرهاب، وأدى هذا الى محاصرة الإرهاب في البلاد، لكن التساؤل، هل ستقدم الدولة على إنشاء جهاز أمني-استخباراتي خاص لمكافحة الفساد وتنشئ محكمة خاصة بمكافحة الفساد.

من الناحية العملية، يعتبر الفساد أخطر من الإرهاب بكثير، هذا الأخير يمكن احتواءه بطريقة سهلة وتكون تأثيراته سلبية على المدى القصير، بينما الفساد هو أحد مسببات الإرهاب، أحد مسببات غياب ثقة المواطن في المؤسسات، وأحد مسببات انهيار قيم الدولة والأنظمة لأن مفعوله على المدى القصير والمتوسط والطويل.

في إطار تطوير منظومته الأمنية والقضائية، لقد حان الوقت لكي ينشئ  المغرب شرطة-استخبارات ونيابة عامة مستقلة لمحاربة الفساد على شاكلة الدول التي تحترم شعوبها مثل الأوروبية، هذه الآلية ستكون من أسباب نجاح كل مشروع تنموي وسياسي لأنها تعني المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب. وكل تأخر في هذا الشأن يعني الحكم بالفشل على جميع النماذج التنموية بما فيها تلك التي يدعو لها الملك.

وهذه المرة، سيكون المعتقلون من الفاسدين المنتمين الى تلك الفئة المحظوظة التي تتمتع بخيرات البلاد وليس من نشطاء المجتمع المدني والاحتجاجات الاجتماعية. سيكون لهذه الآلية الأمنية-القضائية في حالة استحداثها عمل وفير، ولتبدأ بوثائق بنما والحسابات السرية في سويسرا.

Sign In

Reset Your Password