أصبحت الحياة العامة في المغرب تتمحور وتدور حول بيانات وردود الفعل الصادرة عن مؤسسات مثل المؤسسة الأمنية ومديرية السجون والعدل، في ظل غياب حديث عن ملفات أخرى مثل التنمية رغم اعتراف الملك محمد السادس نفسه بفشل المشروع التنموي أو ملف الصحراء الذي يواجه تحديات كبرى.
ومنذ أسابيع بل وشهور، أصبح مضمون وسائل الاعلام بمختلف توجهاتها وحديث الرأي العام يدور حول ملفات اجتماعية في شقها الأمني، وتتجلى هذه الظاهرة في كثرة البيانات الصادرة عن مؤسسات مثل الأمن بمختلف تلاوينه ومديرية السجون وكذلك النيابة العامة التي انخرطت في هذا المسلسل بدورها. وتتناول البيانات تبرير الاعتقالات وتقديم توضيحات حول جرائم أو توضيح الظروف السجنية لمعتقلين معينين، وتقابلها بيانات سياسية أو حقوقية بنفس مضاد.
وغلبة هذا النوع من الأخبار والأحداث والكلام وسط المجتمع المغربي يؤكد بدء فقدان البلاد البوصلة السياسية والاجتماعية والتأكيد على خلل ما يمر منه المغرب في الآونة الأخيرة. ومنطقيا، لا يمكن لدولة من حجم المغرب تطغى فيها هذه الظواهر إعلاميا واجتماعيا وسياسيا بينما يغيب في المقابل الحديث الجدي والنقاش العميق حول ملفات مصيرية مثل ملفات التنمية وأساسا التلعيم أو الصحراء أو العلاقات الخارجية للبلاد.
ويواجه المغرب كأمة وكوطن تحديات كبرى ومنها كيفية تحقيق التوازن بين مناطق المغرب على ضوء المعالجة السياسية لكل من منطقة الريف والصحراء. وفي الوقت ذاته، ترتفع وتتعاظم التحديات التي يواجهها ملف الصحراء في الخارج بعد القرارات القضائية سواء الصادرة عن الاتحاد الأوروبي أو جنوب إفريقيا حول الثروات الطبيعية واحتمال صدور قرار مفاجئ عن مجلس الأمن الدولي حول الملف. ويضاف الى كل هذا مشكل التنمية بعدما اعترف الملك محمد السادس بفشل النموذج المغربي ومن مظاهره الفشل الذريع في التعليم والتراجع الكارثي في قطاع الصحة. وعلاوة على كل هذا مشكل المديونية، حيث تغرق البلاد في مستنقع القروض التي تحكم على الجيل الحالي بانعدام فرص الحياة الكريمة وسترهن حياة الأجيال المقبلة.
إن همينة النقاش الهامشي وجدل الإثارة وسط المجتمع وفي وسائل الاعلام يعكس مظاهر مقلقة منها فقدان الأحزاب السياسية لدورها التاريخي كما يعكس ضعف مؤسسات الدولة والخطير أنه يبرز غياب الدور المناط بالنخبة، هذه الأخيرة العاجزة عن طرح أجندة مواضيع بناءة ونقاش صحي يلقي الضوء على التحديات وكيفية معالجتها مستقبلا. النخبة تعادل المبادرات، لكن القاموس المغربي لم يعد يقدم هذا التعريف في الوقت الراهن.
نعم، البلاد تفقد بوصلتها السياسية والاجتماعية، نعم، خلل ما وعميق جدا ومقلق للغاية في هذا البلد الذي يسمى المغرب، الأغلبية تتطلع الى الأفق، لكن الأفق منعدم.