يخوض جزء هام من الشعب المغربي منذ أسبوعين مقاطعة منتوجات بعض الشركات: حليب سنترال والشركة المنتجة لماء سيدي علي وشركة الوقود والغاز إفريقيا. وتحدث المقاطعة في ظل توتر اجتماعي تعيشه البلاد ومن عناوينه العريضة الاحتجاجات الشعبية في عدد من المدن والمناطق وعلى رأسها الحراك الشعبي في الريف.
وتطرح المقاطعة تساؤلات حول الجهة التي تقف وراءها وهل يتعلق الأمر بتصفية حسابات سياسية مع أشخاص معينين وعلى رأسهم الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش. لكن هذه التساؤلات مهما كانت مشروعة فهي تبقى ثانوية وهامشية أمام مشروعية المقاطعة التي يخوضها جزء كبير من المغاربة والتي قد تمتد الى شركات أخرى تنشط في مجالات حيوية للمستهلك المغربي. وتأخذ هذه المقاطعة مشروعيتها من عوامل متعددة وعلى رأسها:
في المقام الأول، ارتفاع الأسعار في المغرب بشكل مقلق وصل الى مستويات خطيرة، حيث أصبحت بعض المواد تتجاوز نظيرتها في دول الاتحاد الأوروبي مع الأخذ بعين الفارق بين الدخل الفردي في هذه الدول والمغرب، وهو فارق يصل الى عشر مرات على الأقل. ومن العناوين المعبرة عن هذا الغلاء أن المغرب تحول ربما الى البلد الوحيد في العالم الذي تتجاوز فيه فاتورة الماء والكهرباء أجور بعض المتقاعدين.
في المقام الثاني، من جهة عدم قدرة غالبية الشعب المغربي في تحمل غلاء المعيشة من جهة، ومن جهة أخرى عدم خوفه من التهديدات التي وصلت الى مستويات من النذالة بجعل المطالب الاجتماعية البسيطة تقاس بتيرموميتر الوطنية أو التبخيس من المطالب بنعث المواطنين بالمداويخ في استعادة بغيضة لبعض النعوت مثل الأوباش.
في المقام الثالث، غياب الدولة عن تفعيل مجلس المنافسة المنوط به مراقبة تلاعب الشركات بالأسعار، وعدم تفعيل الدولة للمجلس يجعلها شريكة في جريمة التلاعب بالأسعار لأنها تركت المواطن بين مخالب شركات تسعى فقط وراء الربح السريع وبطرق بشعة.
في المقام الرابع، المقاطعة هي تعبير نسبيا عن رفض تحويل المسرح السياسي، على الرغم من علته وسلبياته، الى ساحة يتحكم فيه البارونات الجدد للسياسة الذين يجمعون بين المال والتحكم في قرارات الدولة.
في المقام الخامس، هذه المقاطعة هي نتاج فشل النموذج التنموي الذي اعترف به المسؤول الأول في هذا البلد، الملك محمد السادس، كما تأتي في ظل ارتفاع خطير للفوارق الطبقية في البلاد، حيث يزداد بارونات المال والسياسة غنى ويتم تفقير الشعب. وهذه الطبقية ليس من سنن الحياة، أي وجود فقير وغني، أو عبر الممارسة الشريفة التي تعني النجاح، بل هي في العمق نتاج الاحتكار المقيت من طرف شخصيات وعائلات لقطاعات معينة مرتبطة بالاستهلاك. وهذه المقاطعة تطرح بشكل أو آخر ضرورة الجواب على السؤال المعلق منذ سنوات: أين هي الثروة؟
هذه المقاطعة الشعبية الواسعة لثلاث شركات، والمرشحة للتوسع في ظل الاحتكار المقيت الذي يعاني منه المغاربة في قطاعات حيوية وفي ظل اكتساب الشعب المغربي لوعي جديد لحقوقه المهدورة، تعتبر جرس إنذار للدولة المغربية للتحرك لمواجهة تردي الوضع الاجتماعي.
والبحث عن حل للمقاطعة، لا يجب أن يتم عبر تكرار الدولة سياستها الخاطئة التي نهجتها في الريف المتمثلة في الاعتقالات التعسفية وتوظيف قضايا مثل الانفصال في مواجهة مطالب اجتماعية بسيطة، بل عبر حلول راديكالية وشجاعة لتردي الأوضاع المعيشية جراء الاحتكار المقيت لقطاعات حيوية تعتبر ضمن الأمن القومي الشامل للبلاد.