بلغت المديونية العامة للمغرب ما يفوق 91% من الناتج الإجمالي للبلاد، وهو رقم لم يسبق حدوثه من قبل، ويجعل المغرب يغرق في دوامة المديونية وخدمة القروض لسنوات طويلة، الأمر الذي سيرهن مستقبل الجيل الحالي والمقبل إلا إذا وقعت معجزة اقتصادية، علما أن زمن المعجزات قد ولى.
وتجاوزت المديونية 91 مليار دولار، وهي نسبة مخيفة للغاية لاسيما وإذا علمنا أنها ارتفعت بشكل ملفت خلال العشر سنوات الأخيرة، السنوات التي كان مسؤولو الدولة يتبجحون بالتقدم الذي حققته البلاد ومن عناوين ذلك “اللهم كثر حسادنا” و”المغرب دولة صاعدة” والمغرب رائد إفريقيا”.
وتشهد عدد من الدول ارتفاع المديونية لتصل الى 100%، لكنها عادة ما توظف القروض في إنتاج الثروة وترفع من مستوى معيشة الشعب، لاسيما الدول ذات الاقتصاد المتين. لكن هذا لم يحصل في المغرب بل كانت النتائج عكسية للغاية فقد تراحعت كل القطاعات الحيوية.
الواقع الحالي للبلاد مقلق الى مستويات تدعو ضرورة استحضار هاجس حالة الاستثناء الوطني ، فقد تدهور قطاع الصحة بشكل مثير للشفقة، وارتفعت الفوارق الطبقية وتفاقم الفقر، وفشل قطاع التعليم، وأصبح الشغل عملة ناذرة في مغرب العقد الثاني من القرن ، الواحد والعشرين. وبدأنا نعيش مآسي حقيقية من عناوينها الطالبة حياة التي لقيت مصرعها برصاص البحرية الملكية عندما حاولت الفرار من وطن لم يضمن لها العيش الكريم ولو في حده الأدنى.
إن ارتفاع المديونية هي استعمار جديد لأن الدولة المغربية فقدت التحكم في القرارات الاقتصادية لصالح المؤسسات الدولية الكبرى، وهو ما يؤكد برامج التقشف والخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، هذه المؤسسات التي أحيانا تشيد باقتصاد المغرب وأحيانا تصفه بالفاشل، وها هي تقارير صندوق النقد الدولي شاهدة على هذه الازدواجية.
وستدفع المديونية الثقيلة الدولة المغربية، وبضغط من المؤسسات المالية الدولية، نحو مزيد من التقشف والرهان على الخوصصة والتنصل من الالتزامات المنصوص عليها بين النظام والشعب وهو حسن التسيير، نعم حسن التسيير الغائب الأكبر ليحل محله الارتجال والفساد.
إن وصول المديونية الى 91% يجب أن يدفع الشعب المغربي وخاصة مثقفيه أصحاب الضمائر الحية وليس أولئك… ، بجعل من هذا الموضوع حديث الساعة والتخلي عن المواضيع الهامشية التي تروج لها جهات في محاولات لتشتيت الانتباه عن جوهر المشكل ومستقبل البلاد. إن ارتفاع المديونية بهذا الشكل الخطير يرهن مستقبل الجيل الحالي والمقبل ويعيد طرح الأسئلة الحارقة:
أولا، من هي الجهة الرئيسية المسؤولة عن هذا الوضع الكارثي في المغرب التي تمتلك صناعة القرار ولم تحد من هذا النزيف؟
ثانيا، أين هي وعود تلك الدراسات التي أنجزتها مكاتب خارجية بطلب من المسؤولين/السماسرة وكانت تبيع للدولة وهم التقدم والريادة؟
ثالثا: ثروات المغرب قادرة على ضمان الحد الأدنى من العيش الكريم للمواطن المغربي، وبالتالي أين هي ثروات الشعب المغربي؟
رابعا: هل سيتم فتح تحقيق حول مصير القروض الداخلية والخارجية طالما أنها لم تنتج الثروة بل فاقمت من هشاشة الوضع الاجتماعي؟
نعم، موضوع المديونية يجب أن يكون حديث الرأي العام لأن سوء التسيير والفساد سيقضي، إن لم نقل قضى، على مستقبل هذا الوطن، ف91% من المديونية يعني أ، البلاد دحلت مرحلة الخطر، ليس خطر خارجي يتربص بها بل اللامباة سوء التسيير والفساد.