بدأت الطبقة السياسية والدولة في المغرب تتخلى عن الصمت الذي ساد موضوع منع عودة المغاربة العالقين في الخارج وسفر المغاربة المقيمين في المهجر بعد تفاقم الأوضاع الإنسانية للمتضررين. وكل هذا يجر الى تساؤل عريض: لماذا انفرد المغرب عالميا بهذا القرار، ثم هل المغرب أضعف من الناحية اللوجيستية من دول الجوار مثل الجزائر وتونس؟
تدريجيا، ينفتح جزء من الإعلام على هذا الملف الشائك الناتج عن قرار المغرب بإغلاق حدوده لمواجهة الوباء العالمي كورونا فيروس، وهو قرار أقدمت عليه عدد من الدول في العالم، ومنحت الغالبية منها لمواطنيها مهلة أيام للعودة أو المغادرة، واتخذت أخرى القرار الذي دخل حيز النتفيذ في ظرف ساعات. ورغم كل هذا، أبقت مجالها الجوي مفتوحا أمام بعض الرحلات وخاصة الاستثنائية منها الخاصة بالإجلاء.
وأقدمت كل دول العالم على ترتيبات لإعادة مواطنيها الى الوطن، ونهجت التدريج باستقبال فوج بعد فوج، ووظفت أسطولها الجوي والعسكري لهذا الغرض النبيل لاسيما في ظل توقف نشاط حركة الطيران الجوي التجارية بسبب الوباء. وطيلة الثلاثة أسابيع الأخيرة والدول تنسق فيما بينها من أجل إجلاء مواطنيها بشكل جماعي أو بشكل فردي.
وشكل المغرب الاستثناء إقليميا وعالميا،حيث بقي قرابة سبعة آلاف مغربي عالقين في الخارج وخاصة في تركيا والدول الأوروبية، كما أكد الوزير الأول سعد الدين العثماني في البرلمان الاثنين من الأسبوع الجاري وليس 18 ألف كما تروج وزارة الخارجية للتنصل من المسؤولية بتضخيم الرقم. وعكس ما يروج في الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، لا يتعلق الأمر بالمهاجرين المغاربة بل بمغاربة توجهوا بتأشيرة للزيارة العائلية أو السياحة أو التطبيب أو من أجل أعمال تجارية، والأدهى أن بعض المغاربة عالقين في سبتة ومليلية بعدما دخلوا للتبضع. وقد نشر عالقون بيانا يتضمن أسماءهم بالتدقيق ويؤكدون إقامتهم في المغرب وليس المهجر.
وحاولت الدولة المغربية التكلف بالبعض منهم جزئيا أو كليا، لكن هذا الإجراء ورغم إنسانيته لا يعد مقنعا، فهو لم يشمل الجميع، حيث وجد الكثير من الناس أنفسهم عرضة للتشرد، وفق بيان صادر عن العالقين، ولا يعوض عن عملية الإجلاء. وكان على الدولة المغربية المؤتمنة على الشعب الاقتداء بباقي دول العالم، وتنظيم رحلات إجلاء للمواطنين. وطريقة معالجة هذا المشكل ليست صعبة، فهي تتضمن رحلات إجلاء للعالقين ووضعهم في الحجر الصحي، فالمغرب يتوفر على مخيمات وفنادق ومراكز إيواء الطلبة في مجموع البلاد. يمتلك المغرب اللوجستيك الكافي لاستقبال حتى 30 ألف وليس فقط سبعة آلاف، فله تجربة في تنظيم المؤتمرات، ولا نعتقد أن دولة نظمت المسيرة الخضراء ب 350 ألف منذ 45 سنة، ستعجز عن استقبال بضعة آلاف سنة 2020. ثم: هل المغرب أضعف لوجيستيا من دول الجوار مثل تونس والجزائر التي أجلت مواطنيها من الخارج؟
وكان على المغرب على الأقل السماح بعودة الذين يتواجدون قريبين من الناحية الجغرافية، مثل حالة أوروبا، ليوفر المواردالمالية للتكلف بالذين يوجدون في مناطق بعيدة مثل آسيا. ويصعب إجلائهم في الوقت الراهن.
منظمة الصحة العالمية لم توصي أي دولة بالتخلي عن مواطنيها بل العكس، ولم تغلق أي دولة أجواءها في وجه رحلات استثنائية لإجلاء المغاربة، ولن تمدح اي جهة سياسية أو علمية قرار المغرب بعدم إجلاء مواطنيه، ومن يقول العكس ليعرض الأدلة. من جهة أخرى، وباعتماد لغة الأرقام ، لم يساهم استقبال المواطنين العالقين في تفاقم انتشار الفيروس في دول الجوار مثلا، فنسبة المصابين والوفيات متقاربة بل وضعية دول مثل تونس وموريتانيا التي أجلت مواطنيها أحسن بكثير من المغرب في مواجهة الفيروس على مستوى المصابين والوفيات. بل حتى الدول التي تشهد نسبة عالية من الوفيات والمصابين مثل اسبانيا وإيطاليا وفرنسا قامت بإجلاء رعايها، فقد أجلت فرنسا ما يفوق 150 ألف.
في الوقت ذاته، انفرد المغرب في العالم كله رفقة بوروندي بمنع المغاربة المقيمين في الخارج سواء أصحاب الجنسية المزدوجة أو بطاقة الإقامة المغادرة نحو دول أوروبا. والمثير أنه استثنى مغاربة الولايات المتحدة وكندا، وتجهل الأسس التي اعتمدتها الدولة المغربية لهذا التمييز. وتعهدت الدول الأوروبية التي تسجل مئات الآلاف من الإصابات وعشرات الآلاف من الوفيات بسبب الفيروس بإرسال طائرات للإجلاء ، وكان على المغرب فقط تنظيم الخروج من المطارات كما نظم عملية خروج عشرات الآلاف من السياح.
عندما تبحث في محرك غوغل عن الدول التي لم تجلي مواطنيها بسبب فيروس كورونا ستجد المغرب هو البلد الوحيد في العالم. لقد نهج المغرب الاستثناء لكنه لم يكن موفقا، وحان الوقت لأصحاب القرار وضع حد لهذا الاستثناء السيء الذكر.
كل دول العالم أقسمت وتعهدت بإجلاء مواطنيها باستثناء المغرب. ماذا يحصل؟