افتتاحية: إجبارية التصويت في الانتخابات في ظروف الفساد التي يمر منها المغرب يعد جريمة سياسية

بدأت الدولة المغربية تروج لمشروع قانون جديد ينص على إجبارية التصويت في الانتخابات التشريعية المقبلة. وتحاول تبرير هذا المشروع الجديد باسم الوطنية، لكن في الظروف الحالية سواء الوطنية أو الإقليمية يعتبر جريمة سياسة تتطلب التنديد بسبب الفساد الذي غرق فيه المغرب بشكل لا سابقة له.

في هذا الصدد، جرى تسريب أخبار تفيد بلقاء وزير الداخلية مع زعماء الأحزاب لمعالجة إجبارية التصويت في الانتخابات التشريعية المقبلة، كما ألمح الناطق باسم الحكومة مصطفى الخلفي الى هذا المشروع بالحديث عن وجود مشاورات. ويرافق هذا النقاش، الذي هو بمثابة جس النبض، استحضار نماذج دول تفرض الانتخابات لكن دون استحضار المقارنة الحقيقية بين الواقع المغربي الفاسد سياسيا وتلك الدول التي تشهد مسؤولية حقيقية.

وعليه، يعتبر كل مشروع نحو إجبارية التصويت هو بمثابة جريمة سياسية في الظروف الحالية، وذلك للأسباب التالية، وهي تجمع بين الوطني والدولي-الاقليمي:

وعلاقة بالوطني، البرلمان المغربي لا يمثل روح الشعب المغربي ولا تطلعاته نحو العيش الكريم، هذا البرلمان الذي لم يشهد أي مبادرة بشأن مكافحة الفساد، فقد التزم الصمت بعد ظهور الحسابات السرية في سويسرا وفضائح بنما، بينما برلمانات الدول الديمقراطية ومنها تلك التي فيها إجبارية التصويت شهدت لجن تحقيق أدت الى محاكمات. كما لم يمتلك الشجاعة، مع استثناءات، لفتح ملف أراضي خدام الدولة، بل الأكثر فداحة هو تورط سياسيين يتزعمون الأحزاب في الاستفادة من مثل عمليات النهب المنظم مثل “خدام الدولة”.

البرلمان المغربي لا يعكس نهائيا ما يجري في البلاد، فهو لم يفتح أي تحقيق حول أين الثروة، ولا حول مصير القروض التي اقترضها المغرب وجعل سيادة الوطن والشعب رهينة المؤسسات المالية على شاكلة ما وقع نهائية القرن 19 وبداية العشرين، وهي التي أدت الى استعمار البلاد.

البرلمان المغربي لا يتوفر على أي استقلالية تجاه الدولة في قضايا مصيرية ومنها الوحدة الوطنية. فهو بلا شخصية أمام مخططات الدولة ومنها تلك الخاطئة، وعلى سبيل المثال، لم يستطع التطرق الى حرب اليمن التي تعتبر من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الدولة المغربية، هذه الأخيرة التي انساقت مع صبيانية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بينما تبين أن هذه الحرب انتقلت الى مستوى جرائم ضد الإنسانية.

وإقليميا، لا يمكن إجبار الشعب المغربي على المشاركة في انتخابات في ظل الفساد الذي ينهش البلاد، بينما دول الجوار مثل موريتانيا وتونس قطعت شوطا نحو الديمقراطية والجزائر سائرة في بناء ديمقراطيتها بينما اسبانيا تحولت الى واحة للديمقراطية، في حين يعيش المغرب “وهم الإصلاح السياسي” الذي يخدم الفساد.

الدولة تدرك جيدا أن المشاركة المقبلة ستكون الأضعف ليس فقط في تاريخ المغرب بل في تاريخ الدول ولن تتجاوز 10%، لأن غالبية الشعب المغربي لم تعد تثق في المؤسسات، وهذه المشاركة الضعيفة ستكون  بمثابة حكم على الإفلاس السياسي لمؤسسات الدولة.

نعم لإجبارية التصويت عندما يكون القضاء في المستوى ويفتح ملفات الفساد بدون انتقائية، نعم لإجبارية التصويت عندما تكتسب الفرق البرلمانية الاستقلالية والشجاعة لطرح كل الملفات في البرلمان ويتحول هذا الأخير لفضاء يعكس روح الشعب المغربي، نعم لإجبارية التصويت عندما تعتمد الدولة الكفاءات لخدمة الشعب في القطاعات الاستراتيجية مثل التعليم والصحة والشغل وليس الولاءات التي خربت البلد. نعم لإجبارية التصويت عندما يضمن الدستور مبدأ المساواة في الحياة المغربية كاملة.

كل عملية ترمي الى فرض التصويت في الظروف الحالية التي يمر منها المغرب يعد جريمة حقيقية سياسيا.

 

Sign In

Reset Your Password