اعتقلت قوات الأمن الإسبانية 14 متظاهرا في قلب العاصمة مدريد في تظاهرة جاءت في سياق تظاهرات متعددة شهدتها البلاد ليلة أمس وأخرى ستجري اليوم وغدا للتضامن مع حي غمونال في بورغوس شمال البلاد، وهو الحي الذي تحول الى رمز للمقاومة في مواجهة سياسة التبذير التي تنهجها بعض المؤسسات، وبدأ سياسيون وصحفيون والرأي العام يعتبرونه احمال مقدمة “لربيع عربي في اسبانيا”.
وكان رئيس بلدية بورغوس قد قرر إصلاح شارع كبير “غامونال” بميزانية 8 مليون يورو. وانتفض السكان الأسبوع الماضي ضد المشروع معتبرين أن هناك أولويات مثل التعليم والتطبيب والمساعدات الاجتماعية. وطيلة ستة أيام والحي يعيش انتفاضة حقيقية من خلال تظاهرات على مدار 24 ساعة ومواجهات مع قوات الأمن التي حاولت تفكيك الاعتصامات باعتقالها 43 شخصا.
وفي آخر المطاف، اضطر رئيس البلدية الى تعليق الأعمال ليلة الثلاثاء الماضي وفتح الحوار. قرار البلدية بتوقيف الأشغال جعل هذا الحي يتحول الى رمز للمقاومة ضد سياسة التبذير التي أوصلت اسبانيا الى الأزمة الخانقة حاليا.
وقد خلف الحدث تعاطفا كبيرا لدى الرأي العام الإسباني واتخذ بعدا دوليا لاهتمام الصحافة الأجنبية به. وكتبت الصحفي المخضرم أونيتو في الجريدة الرقمية ريبوبليكا “عندما وصل رئيس الحكومة ماريانو راخوي الى واشنطن للقاء باراك أوباما وجد أن كبريات الصحف وعلى رأسها الواشنطن بوست تتابع باهتمام أحداث غامونال شأنها شأن سي إن إن”.
وكتبت جريدة الباييس أمس أن “غامونال” تحول الى رمز للمقاومة المدنية”. ويبدو أن ظاهرة غامونال امتدت الى عموم اسبانيا، حيث شهدت البلاد أمس تظاهرات متعددة أبرزها في قلب العاصمة مدريد، حيث تطورت الى مواجهات مفتوحة بين الشرطة ونشطاء المجتمع المدني. وانتهت تظاهرة مدريد بجرحى في صفوف المتظاهرين والشرطة واعتقال 14 شخصا بتهمة أعمال الشغب، حيث سيحالون على القضاء. ولم تخلف تظاهرات أخرى في مدن مواجهات وإن شهدت مناوشات بين المتظاهرين وقوات الأمن، وستنطلق تظاهرات أخرى مساء اليوم وأخرى غدا في مجموع 40 مدينة.
وتبدي السلطات تخوفا كبيرا من ظاهرة “غامونال” في اسبانيا لأنها تحولت الى “النموذج الرمز” الذي كان يبحث عنه نشطاء المجتمع المدني والسياسي في مواجهة سياسة الحكومة والبلديات التي أوصلت البلاد الى ما تعيشه حاليا من أزمة اقتصادية وأزمة قيم خانقة. ويحذّر الكثير من السياسيين اقتراب اسبانيا من انفجار اجتماعي حقيقي بسبب سياسة التقشف وارتفاع الفساد الى مستويات لم تشهدها اسبانيا من قبل. وتلجأ مقالات متعددة للمقارنة بين ما يجري وبين الربيع العربي.
وتكتب إستير بيباس في جريدة بوبليكو “هل يشكل غامونال بداية انتفاضة في البلاد، من كان يعتقد أن إحراق شاب لنفسه “البوزيدي” في تونس سيشعل الربيع العربي…غامونال ليس نضال حي بل يتعداه الى ما هو أكثر”. وقدمت إذاعة كابلي دراسة لردود فعل الكثير من الإسبان في شبكات التواصل الإجتماعي مثل تويتر والفايسبوك لتشير الى أن هناك ملامح عدوى غامونال في مجموع اسبانيا على شاكلة الربيع العربي.
الروائي الشهير لورينسو سيلفا كتب منذ أيام في جريدة الموندو “الربيع العربي بدأ باحتجاج بائع متجول “هل ما يري في بورغوس هو مؤشر على ثورة في اسبانيا النائمة”.
ويبقى المثير هو أن انفجار غامونال تزامن والذكرى الثالثة لانفجار الربيع العربي.