من المنتظر استئناف التعاون الأمني والمخابراتي بين المغرب وفرنسا على ضوء الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها باريس الأسبوع الماضي لاسيما في ظل ارتفاع أصوات وازنة تطالب بعودة هذا التعاون. وقد يترتب عن هذا التعاون تجاوز الأزمة بين باريس والرباط بما فيها إيجاد صيغة قضائية مقبولة لملفات التعذيب التي تسببت في الأزمة.
وتعيش العلاقات الأمنية الفرنسية-المغربية جمودا على المستوى الثنائي بسبب لأزمة الناتجة عن قرار القضاء الفرنسي ملاحقة مسؤولين مغاربة في ملفات يفترض أنها تتعلق بالتعذيب، لكن هذه العلاقات تستمر على مستوى متعدد الأطراف مثل التعاون وسط مجموعة دول خمسة زائد خمسة التي تضم المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا واسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا ومالطا.
ويعيش غرب البحر الأبيض المتوسط تعاونا ثنائيا في مكافحة الإرهاب أكثر من التعدد. في هذا الصدد، تركز فرنسا على التعاون مع الجزائر بحكم أن أغلب العمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد منذ منتصف التسعينات وحتى العمليات التي جرت الأسبوع الماضي التي استهدفت مجلة شار إيبدو ومتجرا يهوديا وخلفت مقتل 17 شخصا نفذها فرنسيون من أصل جزائري وليس فرنسيون من أصل مغربي.
ومن جهة أخرى، تركز اسبانيا على التعاون مع المغرب بحكم أن أغلبية المتورطين في العمليات الإرهابية وعلى رأسها 11 مارس سنة 2004 التي خلفت مقتل 191 شخصا من المغاربة، كما أن أغلب المتوجهين نحو العراق وسوريا من المغاربة وليس الجزائريين.
وثقل الجالية وعددها ومدى تغلغل الفكر المتطرف فيها يفسر كثيرا نوعية التعاون الثنائي بين المغرب واسبانيا وبين فرنسا والجزائر.
لكنه وأمام التهديدات الخطيرة الصادرة عن الإرهاب، ينادي الخبراء بتعاون أشمل وأعمق بين دول غرب البحر الأبيض المتوسط. فقد طالب الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ساركوزي بضرورة إعادة التعاون الفرنسي-المغربي لمواجهة الإرهاب.
وفي الإطار نفسه، طالب وزير الداخلية الفرنسي السابق شارل باسكوا الذي كان أول من واجه الإرهاب الديني في أواسط التسعينات بضرورة إعادة فرنسا التعاون الأمني مع المغرب لمواجهة فعالة للإرهاب، وانتقد المسؤولين الفرنسيين على ما اعتبره وضعا غير مفهوم في مكافحة الإرهاب.
وتفيد مصادر سياسية مقربة من الحكومة الإسبانية أنه رغم تحول اسبانيا الى وسيط بين المغرب وفرنسا في القضايا الأمنية وما يمنحه هذا من امتياز لمدريد كمخاطب للرباط في القضايا الأمنية، فهي تحاول استعادة العمل الرباعي المباشر بين المغرب والجزائر واسبانيا وفرنسا، وتركز كثيرا على التعاون المغربي-الفرنسي لأنها تقع جغرافيا بين البلدين وبحكم تنقل الكثير من المشتبه فيهم بين فرنسا واسبانيا والمغرب، فهي تصر على تعاون أشمل.
ويبدو أن هذه الاعتداءات الإرهابية قد تجعل المغرب وفرنسا يميلان الى البرغماتية عبر استعادة التعاون الأمني بين الطرفين في أفق تجاوز الأزمة الثنائية. ويمكن أن يترتب عن هذا تفاهم في الملفات القضائية التي يتابع فيها مسؤولون مغاربة بفرضية التعذيب من خلال إحالة الملفات على القضاء المغربي للبث فيها أولا قبل الفرنسي. وكان القضاء الإسباني ينهج هذه الطريقة، بمعنى يحيل ملفات خروقات حقوق الإنسان في الصحراء على المغرب، وفي حالة عدم فتح القضاء المغربي تحقيقا يقوم بفتح تحقيق.