هللت الكثير من وسائل الإعلام الدولية لاتفاق السلام بين الإمارات العربية وإسرائيل واعتبرته بالتاريخي بل والزلزال جيوسياسي في الشرق الأوسط، كما ذهب الى ذلك الكاتب المحلل توماس فريدمان في نيويورك تايمز، بينما في الواقع يبقى هذا الاتفاق بدون تأثير جيوسياسي حقيقي بل مجرد حلقة من حلقات البحث عن “الحماية” المستقبلية من طرف الإمارات أمام التغييرات في البيت الأبيض.
في هذا الصدد، وقعت إسرائيل والإمارات العربية اتفاقا للسلام يوم الخميس من الأسبوع الجاري، ويحتل مساحة هامة في وسائل الإعلام الدولية من تعاليق وتحاليل. وتختلف المعالجات بين من يعتبره خيانة للأمة العربية والإسلامية، وبين من يعتبره قرارا برغماتيا بحكم استحالة عدم الاعتراف بمركزية إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط. ويصب القرار في مصلحة رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو لتعزيز موقعه أمام ناخبيه أما في ملفات أخرى فلا يحمل تأثيرات، وذلك للأسباب التالية:
في المقام الأول، العلاقات بين الإمارات وإسرائيل متقدمة، وبالتالي هذه الخطوة ليست مفاجئة بل ربما أتت متأخرة نسبيا. وعليه لا تشكل صدمة للرأي العام العربي لأن الإمارات لم ليست في محور الممانعة أو دولة ذات مواقف واضحة ورافضة لإسرائيل مثل الكويت.
في المقام الثاني، وارتباطا بالنقطة السابقة، الإمارات لا تشكل قوة سياسية وعسكرية ذات ثقل في العالم العربي، وكان الاتفاق الوحيد الذي كسر الصف العربي وأضعفه سياسيا وعسكريا هو اعتراف مصر بإسرائيل الذي كان منعطفا في الصراع الإسرائيلي-العربي.
في المقام الثالث، لن يحمل اتفاق السلام أي تغييرات في ميزان القوى في العالم العربي وخاصة الخليج العربي، وكل ما قد تحصل عليه إسرائيل علاوة على استعمال المطارات والأجواء الإماراتية هو قاعدة أكبر للتجسس على إيران بدل مركز صغير حاليا.
في المقام الرابع، لن يحمل القرار أي تأثير على الانتخابات الأمريكية. وأكثر من أي وقت مضى، ستكون أجندة الانتخابات الأمريكية محلية محضة باستثناء الملف الصيني ولن يحضر الملف الإماراتي الذي لا يهم نهائيا الناخب الأمريكي بل ربما نسبة عالية من الشعب الأمريكي لا تعترف بوجود الإمارات نظرا لعدم اهتمامها بالعلاقات الدولية لاسيما في هذا الظرف الحالي الذي تمر منها البلاد بأصعب أزمة نتيجة انعكاسات فيروس كورونا.
في غضون ذلك، فسر مصدر عربي عليم بالعلاقات العربية-الأمريكية لجريدة القدس العربي أن القرار الإماراتي بنقل العلاقات مع إسرائيل الى العلن هو تكتيكي ويرمي الى الاستعداد لمرحلة ما بعد الرئيس دونالد ترامب وخوفا من المحاكمة والحساب من طرف واشنطن. ويضيف “تعتقد الإمارات ومعها السعودية أن هذا الاتفاق واحتمال تقارب سعودي-إسرائيلي قد يكون صماما أمام القرارات المقبلة في حالة التغيير في البيت الأبيض.
في هذا الصدد، تشير كل المؤشرات الى هزيمة مدوية للرئيس ترامب في مواجهة المرشح الديمقراطي جو بايدن. هذا الأخير سيعيد النظر في الكثير من الملفات ومنها العلاقات مع دول الخليج وعلى رأسها الإمارات العربية والسعودية بسبب سياسة البلدين في مناطق النزاع ومنها ليبيا، وتورطهما في ملفات اغتيال مثل حالة الصحفي جمال خاشقجي.
ويبقى المثير للغاية هو إقبال الإمارات العربية على توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل في وقت بدأ القضاء الدولي يتحرك ضد كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في ملف خاشقجي وسعد جبري والقضاء الفرنسي في ملف ضد ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بسبب الجرائم ضد الإنسانية في الملف اليمني، ويعتقد السعوديون والإماراتيون في نفوذ اللوبي اليهودي عالميا لوقف أي ملاحقات قضائية.