خرج رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، عن صمته فيما يتعلق باعتقال ومحاكمة الصحافي ومؤسس أخبار اليوم توفيق بوعشرين. وقال بنكيران، في لقاء خاص مع مقربين منه، إن اعتقال توفيق بوعشرين ومتابعته بتهم الاغتصاب والاتجار في البشر هو أمر لا يقبله عاقل. مضيفا: لو أن الذين اعتقلوا بوعشرين قالوا بأن ما قام به يدخل في خانة العلاقات الرضائية لكان ممكنا أن يصدق بعض الناس ذلك، أما أن يقال لنا إن هذا الصحافي كان يفتح مكتبه لاغتصاب النساء والاتجار فيهن فهو أمر غير مقبول ولم يصدقه عاقل ولم تستطع أية جهة أن تددل عليه.
ويأتي موقف بنكيران هذا بعد الموقف السابق الذي نقلتها عنه الصحافة، وقال فيه إن “توفيق بوعشرين اعتقل بسبب الافتتاحيات وليس بسبب الفتيات”، في إشارة واضحة إلى أن اعتقال مؤسس “أخبار اليوم” له طابع سياسي، وأنه جاء بسبب عدم رضا جهات معينة على الخط التحريري النقدي لجريدة “أخبار اليوم” وأساسا على المقالات الافتتاحية لتوفيق بوعشرين. وكان عبد الإله بنكيران، قد عبر عن رفضه الحكم على عفاف برناني، الشابة التي رفضت تقديم شهادة ضد توفيق بوعشرين، بستة أشهر نافذة، بعدما طعنت بالزور في محضر ضابط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وقال عند استقباله عفاف برناني في بيته: “أنت يا ابنتي أفضل من كثير من الرجال، وشرف لبيتي أن يستقبل امرأة مثلك”، قبل أن يتوجه إليها قائلا: ” أنا مستعد ندوز هاذ 6 أشهر ديال الحبس فبلاصتك، وهذا ليس مجرد كلام، بل بإمكانك كتابته على صفحتك بالفايسبوك”.
ومع تقدم محاكمة توفيق بوعشرين، تزداد دائرة الرافضين لطريقة اعتقاله التحكمي اللاقانوني، وللتهم التي يتابع بها، حيث بادرت شخصيات سياسية وأكاديمية وحقوقية وازنة للانضمام تلقائيا إلى “لجنة الحقيقة والعدالة في قضية الصحافي توفيق بوعشرين”، من قبيل الخبير الاقتصادي عز الدين أقصبي، والصحافي القيدوم خالد الجامعي، والأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية مولاي اسماعيل العلوي، والوزيران السابقان – القياديان في حزب الاستقلال عبد الحق التازي ومولاي امحمد الخليفة، والقيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي، بالإضافة إلى الأسماء الوازنة الحقوقية والسياسية والعلمية التي أسست هذه اللجنة التي وقفت منذ تأسيسها على الكثير من الخروقات القانونية والحقوقية الجسيمة في هذا الملف. كما أن هناك شخصيات أخرى عبرت عن رفضها اعتقال توفيق بوعشرين، مثل الزعيم الاتحادي محمد اليازغي، والعالم المقاصدي احمد الريسوني، والفقيه القانوني عبدالرحمان بنعمرو…
ومن جهة أخرى، بعد حوالي ثمانية أشهر ونصف من اعتقال الصحافي توفيق بوعشرين مؤسس جريدة “أخبار اليوم”، دقت المحكمة أمس مطرقتها إيذاناً بلحظة نهاية الطور الأول من محاكمته أمام محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، وأعلن قاضي الجلسة ليلة الأربعاء أن الصحافي بوعشرين سيأخذ الكلمة الأخيرة في جلسة الجمعة، ليتم النطق بالحكم بعد المداولة، وهو الحكم الذي تترقبه أوساط حقوقية وسياسية وإعلامية عديدة في قضية أججت الرأي العام المغربي بسبب الصدمة التي خلفتها التهم الموجهة لصحافي معروف بافتتاحياته النقدية للأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد، ومعروف بانزعاج جهات نافذة من خط تحرير جريدته وما يخط عليها، فكان أن استفاق على متابعته في حالة اعتقال بتهم “الاتجار بالبشر” و”الاغتصاب” و”التحرش الجنسي”.. بعد أن داهم العشرات من عناصر الشرطة مقر الجريدة نهاية شباط/ فبراير 2017 .
ومن أصل 86 جلسة عرفتها المحاكمة منذ انطلاقها في الثامن مارس 2017، ستون جلسة منها كانت مشمولة بالسرية، فالجلسة الأخيرة التي سيدلي فيها بوعشرين بكلمته الأخيرة هي جلسة علنية وهو ما ينص عليه القانون، حسب النقيب محمد زيان، عضو من هيئة الدفاع، الذي قال لـ”القدس العربي” إن دفاع بوعشرين في جلسة الأربعاء كان قاطع الجلسة جزئياً، لأن المطالب بالحق المدني ليس له الحق في التعقيب في الدعوة العمومية، لكن المحكمة منحته الحق، مما دفع بدفاع بوعشرين إلى الانسحاب لحظة تعقيب محامي المشتكيات، وهو انسحاب من القاعة في حينها وليس انسحاباً من الملف. يقول المحامي إن الجلسة عرفت صخباً وجدلاً قانونياً قبل أن تقرر المحكمة منح الكلمة لدفاع بوعشرين بعد انتهاء دفاع المطالبات بالحق المدني من مرافعته، وبعد قرار النيابة العامة التخلي عن تعقيبها، قررت المحكمة تأخير الجلسة إلى الجمعة لتمنح الكلمة الأخيرة لبوعشرين قبل أن تتداول هيئة الحكم في حكمها.
وقال عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون بجامعة القاضي عياض في مراكش ومتابع لقضية توفيق بوعشرين، تعليقاً على مسار المحاكمة منذ بدء القضية، إن الانتهاكات القانونية والحقوقية في قضية الصحافي بوعشرين يمكن العثور عليها في أكثر من نقطة، فـ”الأدلة التي هي في صالح توفيق بوعشرين لم تؤخذ بعين الاعتبار أو بترت بعض أجزائها، مثل التسجيلات بالهاتف ومسائل أخرى مرتبطة بحجز الأدلة التي اعتمدتها النيابة العامة في صك الاتهام، ولقد تم اعتمادها بطريقة لم تتوفر فيها الشروط القانونية حتى يتم اعتبارها حججاً قوية”، مضيفاً أنه من جملة الانتهاكات أن “تمت متابعة المعني بالأمر في حالة اعتقال رغم كل الضمانات المتوفرة ليتابع في حالة سراح، ما حال دون أن يتمكن بوعشرين من الدفاع عن نفسه بشكل لائق”، ويعتبر العلام أنه “لا يوجد أي مسوغ لمتابعة توفيق بوعشرين في حالة اعتقال”، قائلاً إن “هذا انتهاك لحق من حقوقه، يضاف إلى جملة الانتهاكات المتعلقة بإحضار الشهود بالقوة وحتى إرغام بعض النساء أن يقدمن شكاية ضد بوعشرين، وما حدث مع عفاف برناني التي رفضت أن تنخرط في إدانة بوعشرين دون وجه حق، وأيضاً الانتهاكات الإعلامية، حيث قامت وسائل إعلام عمومية بالمس بقرينة البراءة”.
“من الناحية السياسية، الرجل يؤدي ضريبة حرية قلمه في كتاباته الصحافية وأصبح واضحاً وجلياً أن بوعشرين لم يعتقل لأسباب جنائية، بل لأسباب متعلقة بحرية التعبير وحرية الصحافة، وارد جداً أن كتابات بوعشرين أزعجت من لا يحبون حرية التعبير”، يختم العلام قوله .
“تعتبر محاكمة الصحافي بوعشرين إحدى المحاكمات السياسية التي عرفت مذبحة حقيقية للقانون وانتهاكاً فضيعاً لمعايير المحاكمة العادلة”، تقول خديجة الرياضي، الحقوقية الحائزة على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وعضو “لجنة الحقيقة والعدالة في قضية الصحفي توفيق بوعشرين”، في تصريح لـ”القدس العربي” أوضحت فيه أن بوعشرين “تم حرمانه من كل وسائل الدفاع عن نفسه وتم رفض كل طلبات دفاعه دون مبرر، آخرها طلب إحضار هاتفه الذكي المحجوز لما يتضمنه من معطيات تخدم الحقيقة والعدالة، ومرت جل أطوار المحاكمة في جلسات سرية في ضرب صارخ للحق في محاكمة عادلة” مضيفة: “إنه توظيف سافر للقضاء في تصفية الحسابات السياسية لا يمكن إلا إدانته واستنكار استمراره، تماماً كما جرى في العديد من المحاكمات السياسية سواء الحالية أو التي عرفتها مرحلة ما بات يعرف بسنوات الرصاص” .
وفي علاقة بموضوع متابعة بوعشرين، كانت محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء قد أصدرت أمس حكمها القاضي بتأييد الحكم الابتدائي وهو ستة أشهر حبساً نافذاً وأداء غرامة ألف درهم في حق عفاف برناني، الموظفة في “أخبار اليوم” التي تابعتها النيابة العامة من أجل جنحة الإهانة بتقديم بلاغ كاذب والقذف، بعدما صرحت علناً أنها لم تتعرض لأي تحرش من قبل بوعشرين وأن ضابطاً بالفرقة الوطنية زور محضر الاستماع إليها، وهو الحكم الذي خلف ردود فعل مستنكرة إياه، واعتبرته بمثابة “عقاب” لسيدة رفضت الانخراط في إدانة بوعشرين، وقالت خديجة الرياضي بشأن الحكم الصادر في حق برناني: “بعدما صدم المتتبعون لقضية عفاف برناني بقرار المحكمة الابتدائية بإدانتها بالحكم بالسجن النافذ، تكرس محكمة الاستئناف هذا المسار عوض تصحيحه، وهو ما يجعل من هذه الأحكام وجهاً آخر من أوجه الاستعمال السياسي للقضاء، وهذه المرة للانتقام ممن رفضوا المساهمة في المؤامرة الدنيئة ضد الصحافي توفيق بوعشرين” .
وفي بلاغ لها، أعلنت “لجنة الحقيقة والعدالة في قضية الصحفي توفيق بوعشرين” عن تنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان، مساء اليوم الجمعة، للتنديد بـ”الانتهاكات الجسيمة لحق الصحفي توفيق بوعشرين في محاكمة عادلة، ومنها رفض المحكمة الغريب لعرض المعتقل على قاضي التحقيق رغم خطورة التهم وعدم جاهزية الملف”، حسب البلاغ الذي توصلت “القدس العربي” بنسخة منه، والذي وصف المحاكمة بـ “الجائرة”، وأنه شابتها “خروقات متعددة وسافرة للقانون” .