عادت وسائل الإعلام بأمريكا اللاتينية للاهتمام بقوة بتطورات الربيع العربي التي اعتبرتها مبعث تفاؤل لانتقال المجتمعات العربية إلى الديمقراطية والتحرر من الاستبداد والديكتاتورية- كان التحفظ من كوبا وفنزويلا فيما يخص القذافي والأسد-، وذلك من خلا ل بوابة الأحداث التي تعرفها مصر، وادانت معظم وسائل الإعلام في هذه القارة اللاتينية في افتتاحياتها، على غرا ر بيانات رسمية لحكومات بلادها، التعامل العسكري والامني الدامي في مصر مع المتظاهرين، معتبرين ان ذلك من شانه ان يمزق وحدة الربيع العربي ويسعد دولا تمارس القمع على مواطنيها كملكيات بلدان الخليج. وكانت فنزويلا التي سحبت سفيرها من مصر طالبت المنتظم الدولي بالضغط على العسكر في مصر وإعادة مرسي”.
وشبهت وسائل إعلام أخرى يجري تتداولها في امريكا اللاتينية ومنها الباييس التدخل العسكري في مصر بالانقلاب العسكري على الديمقراطة الناشئة في بلدان أمريكا اللاتينية في واخر والسبعينات وبداية الثمانينات مقارنة على نحو يؤكد التشابه بين القائد العسكري الجنرال عبد الفتاح السيسي والجنرال بينوشي الذي حكم التشيلي منذ سنة 1973 الى بداية التسعينات بعد انقلاب دموي على الديمقراطية الناشئة في هذا البلد.
إعلام أمريكا اللاتنية يدين “القمع العسكري والأمني للمتظاهرين في مصر”، وتصفه النموذج الذي يفخخ اجواء الربيع العربي وتسعد به ملكيات الخليج
أدانت معظم وسائل الإعلام المعروفة بانتشارها الواسع بين القراء والرأي العام في بلدان امريكا اللاتينية التدخل العسكر ي والأمني العنيف للجيش والشرطة المصرية ضد المتظاهرين، وسارعت إلى تخصيص افتتاحيات تحمل موقفها المنتقد لما وصفته “با لقمع العسكري للمدنيين”.
ونقلت صحيفة كلارين الأرجنتينية الواسعة الانتشار مضمون بيان حكومة بلادها الذي يدين ما وصفته” بالقمع العنيف ضد التظاهرات الشعبية”، وقالت إن الحكومة الارجنيتنية”طالبت السلطات المصرية فوقف تصيعد العنف”. وتابعة الصحيفة في معالجة أحداث مصر عنونتها ب” مصر قنبلة موقوتة بالمنطقة”، ” إن القمع العنيف الذي يمارسه العسكر في مصر ضد الإخوان المسلمين هو قنبلة موقوتة تهدد بتفخيخ الربيع العربي”. وأضافت كلارين محذرة من أن ” الحكومة العسكرية في مصر ستعزز من دون شك أنصار اليد من حديد في المنطقة”. ونقلت عن خبير دولي أن ما أسمته ب” الدرس المصري” في إشارة إلى التدخل العسكري المصري وعزل مرسي وقمع المتظاهرين” سيكون مرحبا به ومباركا من ملكيات الخليج العربي، وفي تلك البلدان التي استطاعت حتى حدود هذه الساعة قمع الشارع في بلدانها”.
“الحكومة العسكرية” والأمنية في مصر تعود بالبلاد إلى عهد مبارك، وتمزق وحدة الربيع العربي، وعنفها ضد المتظاهرين ينزع عنها شرعيتها
وقالت صحيفة “غلوبو” البرازيلية واسعة الانتشار التي وصفت تدخل الجيش و عزل مرسي “بالانقلا ب العسكري” في افتتاحيتها:” إن الجيش في مصر عاد إلى العنف الممنهج الذي عهده المصريون في حقبة مبارك”. واضافت مبرزة ان تدخله “لتفكيك اعتصام أنصار الرئيس المعزول مرسي أدخل البلاد في بحر من الدم” وشددت الصحيفة البرازيلية على أن عنف الجيش والأمن” قد مزق وحدة الربيع العربي”.
ونقلت غلوبو في خبر آخر موقف حكومة البرازيل بقيادة الرئيسة ديلما روسيف، وأبرزت فيها إدانة البرازيل لما وصفته ب”بالقمع العنيف للمتظاهرين” من قبل الجيش والأمن في مصر، ودعت مقابل ذلك إلى “الحوار والمصالحة:”.
و انتقدت بدورها صحيفة “لاترسيرا” من التشيلي واسعة الانتشار في افتتاحية لها التدخل العسكر ي المصري ضد المتظاهرين، محذرة من تدعياتها “ليس على مصر فقط، بل على المنطقة كلها”. وقالت الصحيفة التشيلية:” إن العنف المتطرف التي تبنته الحكومة المؤقتة يهدد بتعميق نزاع ستجعل فداحته المنطقة كلها في خطر”.
وتضيف الصحيفة البارزة من هذا البلد الأمريكي اللاتيني مشيرة انه بسبب التدخل العسكري والأمني العنيف بمصر فإن “حركة الربيع العربي الذي جرى إحياؤه بتفاؤل في المنطقة في 2011، يتلقى في مصر، منطقته الاكثر اهمية، ضربة عنيفة”.
وتمضي “لاترسيرا” مبرزة أن” العنف الأقصى الذي استعمله الجيش ضد مواطنيه سوف ينزع عنه الشرعية وسوف يضع في تناقض وحرج تلك الدعوة التي جرى إطلاقها لإحياء انتخابات رئاسية جديدة وكتابة دستور جديد”.
واهتمت صحيفة “إل نسيونال” الفنزويلية واسعة الانتشار، بنقل معالم الأزمة الدبلوماسية بين القاهرة وكركاس على خلفية موقف الرئيس نيكولاس مادورو بسحب صفير بلاده من مصر و المندد “بتدخل الحيش المصري لعزل مرسي، وعلى خلفية تدخله العنيف ضد المتظاهرين”.
وقالت الصحيفة الفنزويلية :” إن الرئيس مادورو قد اكد أن التحالف البوليفاري لشعوب قارتنا أمريكا اللاتينية، ستطالب العالم بردة فعل ضد ما يجري في مصر” ، و ” بإعادة محمد مرسي إلى السلطة “.
الامريكيون اللاتنيون : الجنرال عبد الفتاح السيسي يعيد إلى الاذهان حقبة الانقلاب العسكري على الديمقراطيات الناشئة في بداية السبعينات ووصول الجنرالين الدمويين بينوتشي في التشيلي وبيديلا في الأرجنيتن.
وتعكس المواقف التي يتداولها الرأي العام في أمريكا اللاتينية سواء التي عكسته البيانات الرسمية لحكومات بلدانهم التي انتقدت عزل مرسي وتشكيل حكومة مؤقتة وقمع المظاهرات ووصفت ذلك كله ” بالانقلاب العسكري “، أو التي جسدتها افتتاحيات كبريات وسائل الإعلام بلدن هذا القارة، تعكس حساسيات خاصة من تدخل الجيش في الحياة السياسية، فقد عاشت القارة أسوا ء مراحل تاريخيها الحديث تحت قيادة العسكر الذين انقلبوا على ديمقراطيات ناشئة في بلدن القارة في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينيات. او من خلال تجربة فنزويلا ذاتها التي عاشت بدروها انقلابا عسكريا اطاح بالرئيس الراحل هوغو تشافيز قبل ان يستعيد حكمه بضغط شعبي .
وعكست صحيفة الباييس الإسبانية واسعة الانتشار والتي تملك نسخة لها خاصة في امريكا اللاتينية هذا الإحساس الذي يبرر موقف دول امريكا اللاتنية مما يصفونه في مصر ب”الانقلاب العسكري” ومن الحاكم الفعلي الحالي في مصر الجنرال عبد الفتاح السيسي.
وقالت الباييس في افتتاحية لها اليوم ” لاشيئ ثمة يفرق حتى هذه اللحظة بين الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر وبين مشاهد الإنقلابيين الذين فتحوا الباب امام ديكتاتوريات الجنرالين بينوتشي في تشيلي وفيديلا في الارجنتين”. ثم تضيف الباييس قائلة: “لقد حدث هذا من قبل في القارة الجنوبية واليوم يتم على ضفاف النيل”.