من أبرز مفارقات تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية أنها حملت دائما مشعل الحرية والحقوق المدنية في العالم ولكنها بقيت رهينة تصرفات جزء من شعبها، الأبيض ضد جزء آخر وهو الأسود من خلال العبودية والحرمان من الحريات. وإذا كانت هذه المظاهر قد تراجعت بحكم القانون والتضحيات، فشبح المواجهات العرقية يطل مجددا من باب حادث فيرغرسون الذي يضع الرئيس باراك أوباما في موقف حرج وشائك ويجعل أنظار العالم تتجه الى بلد يحمل مشعل الحقوق المدنية.
وتعود وقائع هذا الملف الى يوم 9 غشت الماضي عندما قتل شرطي شابا أسودا اسمه مايكل براون في فيرغيرسون بولاية ميسوري جنوب البلاد، واختلفت رواية القتل، في البدء ادعت الشرطة أن الشاب كان يسرق السجائر وهدد أفرادها الأمر الذي دفع بالشرطة الى فتح النار عليه. بينما تفيد رواية أخرى أن الوقائع مختلفة ويتعلق الأمر بجريمة عنصرية. وبعدما تبين الطابع العنصري والأسباب التافهة لعملية القتل انتفضت مدينة فيرغيرسون باحتجاجات كانت عنيفة امتدت الى باقي الراضي الأمريكية.
وخلال هذا الأسبوع، صدر حكم بعدم محاكمة الشرطي، حيث اعتبرت هيئة المحلفين أنه لم يرتكب جرما عنصريا. وكان قرار الهيئة كافيا لتفجير أكبر سلسلة من التظاهرات في العقود الأخيرة في الولايات المتحدة تندد بعودة شبح العنف ضد الأقليات وأساسا الأقلية السوداء لأسباب عنصرية.
وتشنر مجلة ذي نايشن أرقاما مقلقة حول بلدة فيرغيرسون، شميرة الى أن سكان المدينة الصغيرة هو 21 ألف بينما المحكمة أصدرت قرار التوقيف 32 ألف مرة خلال السنة الماضية بمعنى أكثر من قرار في حق بعض المواطنين وأغلبهم سود، مما يؤكد طابع العنصرية في ولاية ميسوري التي كانت من أكبر المناهضين للحريات المدنية للسود.
واتسعت دائرة التظاهرات في مجموع مدن البلاد بشكل مقلق لم تشهده البلاد، وإن كانت الثلوج قد منعت تطور هذه التظاهرات مثلما حدث في نيويورك. وتكتب مجلة ذي نايشن أن قرار هيئة المحلفين بعدم ملاحقة الشرطي قد تسبب في حالة من العصيان المدني في مدن كبرى مثل قطع الطرق والجسور ومحاولة شل حركة المرور.
وينبه المحللون السياسيون وعلماء الاجتماع من خطر عودة شبح أجواء المواجهات العرقية في وقت يشعر السود أنهم فقدوا مكانتهم لصالح الأقلية الناطقة بالإسبانية واستمرارهم هدفا لقوات الأمن. ولم يتردد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الاعتراف بمبالغة الأمن في التعاطي مع حالات يكون ضحاياها سود. ويجد باراك أوباما نفسه في موقف حرج للغاية، فهو أول رئيس أمريكي أسود اللون ومطالب أخلاقيا وتاريخيا بوضع حد للعنصرية.
ونشر موقع بروبوبليكا الأمريكي الذي يهتم بالتحاليل السياسية والاجتماعية أن الحظوظ السيئة للشاب الأسود لكي يموت مقتولا برصاص الشرطة 21 مرة أكثر من الشاب الأبيض في الولايات المتحدة.
وهذا الوضع المقلق بعودة شبح المواجهات العرقية بين الشرطة والأقلية السوداء تدفع أصوات حقوقية وسياسية وعلماء الاجتماع للضغط على الرئيس أوباما لتنظيم نقاش عميق حول العلاقة بين الشرطة والأقليات ومنها السوداء.