يخوض أطباء القطاع العام إضرابا في المغرب يعتبر من أطول الإضرابات في هذا القطاع، ويحدث هذا في غياب اهتمام الرأي العام بالموضوع وغياب تجاوب من طرف الدولة. وهو ما يطرح تساؤلات عن نوعية الرأي العام وكيف يمكنه أن يكون مأثرا في ظل اهتمامه بقضايا هامشية على حساب الجوهر.
في هذا الصدد، يخوض أطباء القطاع العام منذ 15 الى 23 من الشهر الجاري إضرابا في مستشفيات القطاع العمومي مع الاحتفاظ بالحد الأدنى من الخدمات، وبلغ الإضراب في بعض المستشفيات 91% بينما في أخرى وصل الى 55%. وتطالب تنسيقية أطباء القطاع العام بتطبيق الترقية المنصوص عليها في مؤشر 509 المتفق عليه منذ 2012، ولكن الأساسي هو الرفع من عدد الأطباء وخاصة الاختصاص وتزويد المستشفيات بالمعدات اللازمة للعمل.
ومن ضمن الأمثلة، إقليم مثل تطوان وما جاوره من أقاليم أخرى مثل شفشاون والحسيمة والفنيدق-القصر الصغير، أي حوالي مليون ونصف نسمة، لا يوجد في كل هذه المنطقة أي طبيب مختص في جراحة القلب أو الصدر أو الشرايين، ولا توجد أي وحدة لمعالجة السرطان، كما لا توجد آلة الرنين المغناطيسي لتشخيص الأمراض. وهناك أقاليم كثيرة مثل تطوان. ويحد هذا في دولة تتغنى بموازين وتتغنى باستثمارات مثل القطار السريع، أي دولة تقترض من أجل القطار السريع قرابة 30 مليار درهم وتخصص أكثر من خمسين مليون درهم لمهرجان موازين، ولا تستطيع شراء آلة الرنين المغناطيسي التي يبلغ ثمنها الآن أربعة ملايين درهم في السوق الدولية. علما أن هذه الآلة توفر الوقت وتجنب الكثير من السلبيات طبيا من تشخيص المرض في مراحله الأولى.
إن صمت الدولة المغربية تجاه هذا الإضراب مفهوم للغاية لأنها دولة لا تمتلك الحس الوطني تجاه الشعب المغربي بقدر ما تمتلك وطنية الماركتينغ. ولو كانت تمتلك وطنية حقة لما وصلت قطاعات رئيسية لرقي أي وطن وأي شعب مثل الصحة والتعليم والشغل الى الوضع المتدهور الآن.
لكن الذي يثير القلق والتساؤل هو موقف غالبية الرأي العام المغربي من هذا الإضراب، حيث لا يجد الأطباء أي سند من المغاربة رغم أن الأمر يتعلق بقطاع مرتبط مباشرة بحياة المواطنين. تهاونت وسائل الاعلام في تغطية الإضراب، ولا تعكس صفحات الفايسبوك للكثير من النشطاء أي اهتمام بقطاع استراتيجي مثل الصحة. وتبقى المفارقة أن هذا الرأي العام ونسبة هامة من النشطاء يتبارون في ملفات هامشية مثل راتب الناخب الوطني لكرة القدم أو قضايا مثل تهديد ناشطات بلجيكيات في تزنيت.
نعم لقد صدرت تهديدات مقيتة ضد الناشطات البلجيكيات، لكن تأثيرها بقي محدودا، وخصص الرأي العام أكثر من مائتي ألف تعليق طيلة أسبوع كامل، لكن إهمال الدولة لقطاع الصحة يقتل يوميا العشرات ويهدد حياة المئات، إنه إجرام من نوع آخر يحظى بصمت المجتمع الذي لا يتحرك إلا القليلون فيه، حيث لم تتعدى التعاليق حول الإضراب بضع مئات وأغلبها تدوينات الأطباء المضربين.
إن هذا يجرنا الى التساؤل المقلق حول أولويات الرأي العام كيف لهذا الرأي ينتقد ويحتج بينما يتأخر في الاهتمام بأطول إضراب للأطباء في تاريخ المغرب؟