يعيش الاتحاد الأوروبي على أمل مفاوضات سلام سنة 2025 تجعل نهاية الحرب بين روسيا وأوكرانيا ممكنة، لكن المفارقة هو إلى أي حد يمكن أن تجري هذه المفاوضات؟
ويسود وسط الطبقة السياسية والعسكرية الأوروبية توجس من أن يفرض ترامب اتفاقًا ليس فقط سيئًا لأوكرانيا، بل يطرح أيضًا مشاكل أمنية مقلقة للأمن القومي للقارة الأوروبية وهو الذي كان ينادي في ولايته الأولى 2017-2020 بضرورة رفع الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي من ميزانيتها العسكرية. وبعد قرابة ثلاث سنوات من الحرب الروسية-الأوكرانية: يتميز الوضع الحالي أوروبيا بتساؤل عريض وهو: ماذا يمكن أن يقدمه الحلفاء الأوروبيون لكييف إذا قرر ترامب سحب الدعم العسكري؟ هل يمكن استمرار التنسيق الدبلوماسي على الأقل بين الأوروبيين والأمريكيين في الملف الأوكراني؟ تجري هذه التساؤلات وسط وعي حقيقي من طرف الأوكرانيين والأوروبيين بأن موسكو ستكون قاسية جدا في هذه الحرب لأنها تخلت عن سوريا ركيزتها الأساسية في الشرق الأوسط من أجل حسم الحرب ضد أوكرانيا، وبالتالي عليها حسمها بقوة وبسرعة. وميدانيا، رفعت القوات الروسية من قصفها للكثير من البنيات التحتية الأوكرانية لاسيما الطاقة، وإذا استمرت بهذا الإيقاع فسيكون من أسوأ فصول الشتاء بالنسبة لأوكرانيا، ستستعيد معه ما تعرضت له خلال سنوات الحرب العالمية الثانية بسبب الغزو النازي والحروب التي دارت فوق أراضيها.
وهذا الوعي هو الذي يجعل الأوروبيين أكثر واقعية، وهو ما نقلته جريدة “لوموند” يوم الجمعة من الأسبوع الجاري في مقال تحليلي هام بعنوان “أوكرانيا: الأوروبيون يعدون للسلام، مع الحفاظ على دعمهم العسكري لكييف” في تعليقها على الاجتماع الذي شهدته بروكسيل في هذا الشأن يوم الأربعاء، بين رئيس أوكرانيا زيلنسكي مع رؤساء حكومات ألمانيا أولاف شولتس وإيطاليا جيورجيا ميلوني وبولندا أندريه دودا والدنمارك ميتي فريدريكسن وهولندا ديك شوف ووزيري خارجية فرنسا جان نويل بارو والمملكة المتحدة ديفيد لامي ورئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا والأمين العام للحلف الأطلسي مارك روت. وفي اليوم الموالي، الخميس من الأسبوع الجاري، جرى اجتماع رسمي لقادة الاتحاد الأوروبي، وانتهى بشعار كلاسيكي وترديد العبارة الشهيرة وفق وكالة “أ ب” الأمريكية وهو “لا شيء عن أوكرانيا من دون أوكرانيا، ولا شيء عن الأمن في أوروبا من دون الأوروبيين”. بينما كان لقاء الأربعاء هو لقاء الواقعية والمكاشفة، حيث تشير التسريبات إلى أن الأوروبيين يحاولون إقناع زيلنسكي بضرورة الرهان على السلام في ظل الغموض الذي يبديه ترامب.
ويمر هذا السلام عبر صيغة صعبة للغاية وهي تخلي أوكرانيا عن الأراضي التي سيطرت عليها روسيا شرق البلاد وهي دونتيسك ولوغانسك ثم عدم المطالبة بجزيرة القرم نهائيا التي ضمتها موسكو سنة 2014. وتؤيد باريس بشكل متحفظ هذا المقترح، بينما كان المستشار الألماني أدولف شولتز قد اعتبره منذ شهور جديرا بالدراسة والبحث. ويجد هذا المقترح دعما حتى وسط الأوكرانيين، إذ كشف استطلاع أجراه المعهد الدولي لعلم الاجتماع في كييف بين 1067 شخصًا على الأراضي الأوكرانية في الفترة ما بين 16 و22 مايو/أيار من السنة الجارية أن 32 في المئة منهم يقبلون نوعًا من التنازل عن الأراضي لصالح روسيا لإنهاء الحرب، مقارنة بـ10 في المئة منتصف السنة الماضية ثم 19 في المئة في نهاية السنة نفسها. وهذا يعني استمرار ارتفاع الأوكرانيين الذين يؤمنون بها الطرح.
الغرب لا يقبل بالهزيمة
ويستعرض الخبير الجيوسياسي جاك بود العقيد السابق في الاستخبارات العسكرية السويسرية وعمل في الأمم المتحدة في حل النزاعات، في حوار مصور مع مجلة “أوميرتا” المتخصصة في الدراسات الدولية وجود تصورين للمفاوضات، وهما:
الأول، تفضيل روسيا التفاوض مع الغرب مباشرة، ولا تعوزها الحجج ومنها كيف تدخل الغرب في مناسبات أبرزها خلال أغسطس/آب 2022 في المفاوضات التي أشرفت عليها تركيا لكي تنسحب كييف منها. وتين لاحقا أن رئيس الحكومة البريطانية وقتها بوريس جونسون هو الذي أقنع زيلنسكي بالانسحاب وبأنه يجب هزيمة الروسيين حتى لا يهاجمون مستقبلا أوكرانيا.
بينما التصور الثاني، يتجنب الغرب التفاوض مباشرة مع روسيا لأنه لا يخوض الحرب مباشرة رغم الدعم العسكري المقدم من طرف الحلف الأطلسي لأوكرانيا، ويفضل أن تتولى كييف التفاوض بدعم وضمانة غير مباشرة من الغرب. وتعتقد الولايات المتحدة أن كل اتفاقية تمر بالضرورة عبر تنازل أوكرانيا عن بعض أراضيها، وإذا وقع الغرب الهدنة كما يريد فلاديمير بوتين، يعني هزيمة الغرب التاريخية.
في غضون ذلك، توجد ثلاثة عوامل جديدة قد تشجع على بدء مفاوضات سلام، على رأسها موقف الرأي العام الأوكراني. في هذا الصدد، أكد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وجود أغلبية من الأوكرانيين تؤيد فتح المفاوضات. ويؤيد نحو 52 في المئة من المشاركين في الاستطلاع هذا الخيار مقارنة بـ 22 في المئة في عام 2022، عندما بدأت الحرب. في المقابل، انخفضت نسبة أولئك الذين يحثون على مواصلة القتال حتى دحر الروس إلى 38 في المئة، بعد أن كانت 73 في المئة في بداية الحرب، شباط/فبراير 2022.
ويتجلى العامل الآخر في الرسالة التي يبعث بها الكرملين ومفادها إذا تأخر السلام قد تجد روسيا نفسها مجبرة على التقدم التدريجي نحو الوسط الأوكراني لتقزيم القوة العسكرية الأوكرانية، وهذا قد يعني احتلال أراض جديدة.
سيناريو جورجيا
بالنسبة إلى إيغار تيشكيفيتش، وهو باحث من “المعهد الأوكراني للمستقبل” أن “أحد الاحتمالات لنهاية الحرب هو سيناريو جورجيا، ستتوقف الحرب عند خط الجبهة وستفترض أوكرانيا أنه من غير الممكن استخدام القوة العسكرية ولكنها لن تعترف بالأراضي التي احتلتها روسيا. لن تعترف أي دولة بالشرعية الروسية على هذه الحدود الجديدة. ستحاول أوكرانيا إعادة بناء البلاد واستعادة قوتها العسكرية”. وكانت جورجيا قد طبقت هذا السيناريو بعدما تعرضت لحرب من طرف روسيا سنة 2008، وتعتبر منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية أراض جورجية تحت الاحتلال الروسي.