أسست الدول الأوروبية منتدى للتشاور الاستخباراتي بين أجهزتها لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها القارة، وترغب في تنسيق متطور يجعل من أوروبا قوة استخباراتية في مواجهة الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة.
وجرى اللقاء في العاصمة باريس الثلاثاء من الأسبوع الجاري بحضور الرئيس الفرنسي نفسه إمانويل ماكرون، وشارك في المنتدى 66 جهازا ينتمون الى دول الاتحاد الأوروبي إضافة الى النروج وسويسرا، حيث تمتلك بعض الدول ومنها فرنسا وبريطانيا أكثر من جهاز استخباراتي، بعضها مخصص للداخل والآخر يقتصر على العمل في الخارج.
وعمليا، يوجد تنسيق ثنائي ومتعدد الأطراف أمنيا بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في أوروبا ومنها أوروبول “الشرطة الأوروبية” ومجلس مواجهة الأخطار الرقمية المرتبطة بشبكة الإنترنت، لكن الأوروبيين الآن يرغبون في رفع التنسيق الى مستويات لم تحدث من قبل وخلق ثقافة الاشتراك في المعلومات والتخطيط. ويوجد تنسيق غير معلن عن التنسيق حاليا بين دول الاتحاد الأوروبي، حيث يتواجد عدد من موظفي الاستخبارات من دول أوروبية في المفوضية الأوروبية المكلفة بالأمن والعلاقات الخارجية، يشاركون في صياغة القرارات وأجندة العمل.
لكن هذه المرة يبحث القادة الأوروبيون وخاصة في فرنسا وألمانيا واسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا الرفع من التنسيق الاستخباراتي ومحاولة بناء منتدى للتشاور كمرحلة أولى يتم فيها وضع أجندة مشتركة وتبادل الضباط للعمل سوية على ملفات مشتركة في أفق بناء هيكل مشترك قائم الذات شبيه بباقي المفوضيات المتخصصة في قطاع من القطاعات مثل الخارجية والزراعة. ومن ضمن الملفات التي يؤكد عليها قادة الاستخبارات الأوروبيين، هناك ملفان، الأول يشير الى الصين وهو التجسس الاقتصادي الذي تغلل في مختلف الشركات والمؤسسات الأوروبية، بينما الملف الثاني هو التغليط الإخباري للتأثير على الرأي العام الأوروبي لتوجيه السياسة الوطنية والأوروبية نحو أهداف معينة، والمتهم الرئيسي هنا هي الاستخبارات الروسية.
ودافعت عدد من الدراسات منذ أكثر من عقدين أنه لتعزيز الوحدة الأوروبية لا يكفي العملة الموحدة والتنسيق في السياسة الخارجية ولجن محاربة الإرهاب والهجرة السرية بل ضرورة الرفع من مستوى التنسيق الاستخباراتي ليصبح قارا وله أجندة تتماشى والدفاع عن مصالح أوروبا بدل التنافس الثنائي.
والسؤال المطروح: هل ستنجح أوروبا في بناء وكالة استخبارات موحدة على شاكلة الاستخبارات الروسية أو الأمريكية؟ التحاليل تشير الى استحالة نجاح أوروبا في تأسيس جهاز على شاكلة سي إي إي لسببين، الأول وهو: انقسام استخبارات القارة بين أجهزة مستقلة تماما وشوفينية في التعامل، حيث تحتفظ بأسرارها ومنها الفرنسية والألمانية، بينما أجهزة أخرى تقع تحت مظلة الاستخبارات الأمريكية وخاصة أوروبا الشرقية مثل البولونية والرومانية.
ويتجلى السبب الثاني في غياب رؤية موحدة لمستقبل أوروبا، وما يجمع حتى الآن الأجهزة الاستخباراتية الأوروبية وهو مكافحة الإرهاب بل حتى هذا الموضوع يبقى أكثر من اختصاص الأجهزة الأمنية مثل الشرطة والدرك، وفي ظل غياب رؤية موحدة، سيجد قادة الاستخبارات عراقيل في بلورة موقف موحد في الكثير من القضايا.
الى جانب كل هذا، يجهل الدور الذي ستلعبه الاستخبارات البريطانية والتي تعد من الخمس الأقوى في العالم الى جانب الأمريكية والروسية والفرنسية والصينية، هل ستنخرط في المشروع أم سيحول البريكسيت دون لعب دور كبير.