بدأت أوروبا تستعد للأسوأ بعد قرار روسيا تخفيض كميات الغاز المصدرة تحت مبرر إصلاحات تقنية في أنبوب “نورد ستريم 1″، وبدأت الحكومات الأوروبية تعد خطة بديلة قائمة على توعية المواطنين، في حين يوجد تخوف من ردة فعل من الرأي العام الأوروبي بضرورة إنهاء الحرب في أوكرانيا.
ومع بداية الأسبوع الجاري، قامت روسيا بتخفيض الغاز لكل من إيطاليا والنمسا بعدما كانت قد خفضت منه لألمانيا ودول أوروبية أخرى. وتتذرع موسكو بصعوبات تقنية قد تتغلب عليها خلال العشرة أيام المقبلة لاسيما إذا توصلت بمضختين من صنع سايمنس كانتا في الصيانة في كندا، وترى أنه هناك تماطل في تسليمها أي ضمن الإجراءات العقابية ضد روسيا بسبب الحرب. وصادقت برلين على تسريع تسليم المضختين لتفادي التخفيض ورحبت واشنطن بذلك. وتنشر مجلة فوكوس الألمانية في موقعها الرقمي هذا الاثنين أنه خلال الأيام العادية يصل ضخ الغاز من روسيا الى أوروبا عبر نورد ستريم 1 حوالي 150 مليون متر مكعب، وانخفض الى مائة مليون أواسط يونيو الماضي، والآن تقريبا هو في حالة توقف.
وكتبت جريدة لوموند هذا الاثنين أنه لا يمكن فصل إجراء موسكو التقني ظاهريا عن السياق السياسي المتصاعد بين هذا البلد والاتحاد الأوروبي بسبب الرد على العقوبات الأوروبية التي تستهدف روسيا. وكتبت قناة بي إف إم تي في الفرنسية في موقعها الرقمي هذا الاثنين أن عملية التخفيض قد تقود الى وقف نهائيا للصادرات الروسية من الغاز نحو أوروبا.
وتنتظر المانيا، الدولة الأكثر اعتمادا على الغاز الروسي سيناريو أسود، فقد صرح المستشار أولف شولتز السبت الماضي أن مشكل الطاقة سيتمر خلال الأسابيع والشهور والسنوات المقبلة. بدأت الشركات الألمانية تعاني، فقد طلبت شركة أونبير، أكبر مورد للغاز الروسي من حكومة برلين مساعدتها لتفادي الخسائر، كما طالبت روسيا، وفق جريدة برلين زيتنوغ الاثنين بالرفع من عمليات الضخ لتفادي ارتفاع صاروخي في السوق الألمانية بشكل لم يسجل من قبل. كما تبرز الجريدة كيف تستعمل المانيا الآن الفحم الحجري لتوليد الكهرباء بدل الغاز وذلك لتخزين الغاز للشتاء المقبل. وكان سعر الغاز هو 980 دولار لكل ألف متر مكعب منتصف يونيو الماضي، وارتفع الى قرابة 1900 دولار لكل ألف متر مكعب نهاية الأسبوع الماضي، ويوجد تخوف أن يصل الى 3900 دولار للكمية نفسها، وهو السعر الذي سجله
وتحول النقاش في المانيا حول الغاز الى ما يشبه الهستيريا، فقد طالب وزير الاقتصاد وزير الاقتصاد روبلا هابيك من المواطنين التقليل من زمن الاستحمام، في حين تقترح البلديات تحويل قاعات الرياضة وبعض القاعات التي خصصت لاستقبال مرضى الكوفيد هذه المرة لاستقبال المواطنين الذين لن يستطيعوا الحصول على التدفئة في منازلهم خلال الشتاء المقبل.
وتبرز مجلة فوكوس أن الغرب متخوف من فرضية استغلال روسيا لأعمال الصيانة لتوقف نهائيا ضخ الغاز الى أوروبا، الأمر الذي سيترتب عنه كارثة حقيقية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ثم الانعكاسات السياسية. ومسبقا قال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير الأحد، وفق فرانس برس، أن أوروبا تنتظر هذا “الكابوس “. ويعود الحديث عن السيناريو الكارثي الى صعوبة إيجاد بديل للغاز الروسي. وكان خبراء الغرب يستبعدون في البدء إقدام روسيا على وقف صادرات الغاز، وأصبحوا الآن يعتقدون في هذا احتمال وقوع هذا السيناريو الكارثي.
وبدأ يسود الاعتقاد وسط صناع القرار في أوروبا وخبراء القضايا الدولية أن روسيا من خلال التهديد بوقف الغاز تهدف الى الدفع بالمواطنين الأوروبيين الى العمل من أجل وقف الحرب، وهذا يترجم بوقف الدعم لأوكرانيا والضغط عليها بقبول الشروط الروسية بشأن هدنة سلام منها التخلي عن إقليم الدونباس. ومن نتائج سياسة الغاز التي تنهجها روسيا، عاد المستشار الألماني الأسبق جيهارد شرودر الى ضرورة البحث عن حل متفاوض عليه للحرب بدل التركيز فقط على إرسال الأسلحة الى أوكرانيا.