برامج نقل الدخل للفقراء المعمول بها بالفعل وبأشكال مختلفة في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية، هي السلاح الأكثر فعالية لمكافحة الفقر واللا مساواة الاجتماعية بل وبما يفوق مجرد النمو الاقتصادي، وفقا لدراسة متخصصة جديدة أجراها علماء وخبراء إقتصاديون في الأرجنتين.
فبأسماء ونطاقات مختلفة، كانت مثل هذه البرامج الاجتماعية تنفذ بالفعل في 18 دولة أمريكية لاتينية في عام 2010، بما يفيد 19 في المئة من أهالي المنطقة البالغ عددهم 600 مليون نسمة.
فقد ساهمت هذه البرامج في تحقيق “خفض كبير للفقر المدقع وانخفاض كبير في مجال عدم المساواة”، وفقا لدراسة نشرها “مركز دراسات توزيع الدخل والعمل والشؤون الاجتماعية” التابع للجامعة الوطنية في بوينس ايرس.
ومع ذلك، لا تزال أمريكا اللاتينية تعتبر المنطقة التي تعاني أكبر قدر من التفاوت بين الأغنياء والفقراء، حسب تقرير “السياسات الاجتماعية للحد من عدم المساواة والفقر في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي”، -الذي أعده ليوناردو غاسباريني و غييرمو كروسيس- والذي يعرض السبل الإقليمية لنقل الدخل للفقراء ويوصي بتمديد هذه البرامج للقضاء على الفقر.
ويعتبر غاسباريني و كروسيس -وهما مدير المركز ونائب مديره على التوالي- أن هذه البرامج هي بمثابة “الابتكار الرئيسي” الأهم للسياسات الاجتماعية في العقد الماضي في هذه المنطقة.
وفي هذا الشأن، صرح غاسباريني لوكالة إنتر بريس سيرفس، أن “التحويلات النقدية (لموارد الدولة للفقراء) هي أدوات مفيدة جدا كجزء من استراتيجية شاملة للحد من الفقر وعدم المساواة.. فهي سهلة نسبيا من حيث التنفيذ والإدارة والرصد، ولها تأثير مباشر على مستويات المعيشة للمستفيدين”.
وأبرز غاسباريني فوائد تكييف هذه الخطط من أجل “تحفيز سلوكيات معينة، مثل زيادة مواظبة الأطفال والمراهقين في المدارس وإجراء فحوصات طبية أكثر تواترا”. وأوضح أنه صحيح أنها ليست هي الحل لكل مشاكل توزيع الدخل العميقة الجذور في الإقليم، ومع ذلك “لا ينبغي التقليل من أهميتها” علي الإطلاق.
ووفقا للدراسة، فحتى في سيناريو النمو الاقتصادي المطرد، فإن برامج مثل “معونة الطفل الوليد” في الأرجنتين، و”صندوق الأسرة” في البرازيل، تلعب “دورا رئيسيا” في تحقيق توزيع أفضل للدخل، “فالمنطقة لا يمكن أن تعتمد فقط على النمو الاقتصادي حتى لو كفل عمالة كاملة فالمطلوب هو الحماية الاجتماعية”.
وبخلاصة، تهدف مختلف أنواع هذه البرامج إلى تحويل الموارد النقدية للدولة، شهريا، للأسر الفقيرة والمتقاعدين الذين عملوا في قطاع الاقتصاد غير المنظم، وبالتالي، ليست لديهم معاشات تقاعد. ومن بين الفئة الأولي، تشترط معظم البرامج المواظبة على الدراسة وإجراء الفحوصات الطبية للأطفال دون سن 18.
هذا وتعتبر “معونة التنمية البشرية” في إكوادور أوسع هذه البرامج نطاقا، فهي تشمل 44 في المئة من مجموع السكان في البلاد، وإن كان برنامج “المنح العائلية” في البرازيل يعتبر الأكبر من حيث القيمة المطلقة، لأنه يحمي 52 مليون من مجموع 198 مليون نسمة في البلاد.
وتضاف إليهما برامج مشابهة في المكسيك، بوليفيا، تشيلي، كولومبيا، كوستاريكا، السلفادور، غواتيمالا، هندوراس، بنما، باراغواي، بيرو، جمهورية الدومينيكان، أوروغواي، فنزويلا، ونيكاراغوا.
وعلي سبيل المثال، فإن برنامج “الفرص” -الذي تم تأسيسه في المكسيك في أواخر التسعينيات واتخذ شكله الحالي في عام 2002- يعتمد في عام 2013 علي ميزانية قدرها 5،000 مليون دولار، ويتطلع إلي تغطية 5.8 مليون أسرة، ويشترط على الأطفال والمراهقين المواظبة علي الحضور في المدارس ومراكز الرعاية الصحية.
هذا ولقد أشار عالما الإقتصاد غاسباريني و كروسيس إلي مفارقة التسعينات حين إرتبط النمو الاقتصادي في المنطقة بقدر أكبر من عدم المساواة. ومع ذلك، فمنذ نهاية ذلك العقد -وبتوجه أكثر حسما في العقد الماضي- ساهمت خطط تحويل الدخل إلى تحقيق تقدم سريع في الحد من الفقر وخاصة الفقر المدقع والعوز.
وبهذا انخفض عدد أولئك الذين كانوا يعيشون على أقل من 2.5 دولار في اليوم الواحد -والذين عادل مجموعهم 27.8 في المئة من سكان أمريكا اللاتينية في عام 1992-، من 24.9 في المائة في عام 2003، إلى 16.3 في المائة في عام 2009، بل وإلي 14.2 في المئة في عام 2010، وفقا للدارسة المتخصصة المذكورة.
وإستنادا إلي هذا، توصي الدراسة بتوسيع نطاق التغطية لتعزيز منافعها في وقت أقصر.
أما الدول التي تحتاج إلى مزيد من التحويلات من موارد الدولة لصالح الفقراء، فهي تلك التي تحافظ على نسبة عالية من السكان العاملين في القطاع غير الرسمي، وبالتالي، المحرومين من منافع الرعاية الصحية أو المعاشات التقاعدية. وهذا الوضع يشمل بوليفيا، المكسيك، نيكاراغوا، باراغواي، بيرو، وإكوادور، فتعتبر الحماية الاجتماعية في هذه الدول غير كافية.
في هذا الشأن، أفاد الخبير الإقتصادي غاسباريني وكالة إنتر بريس سيرفس، أن “بوليفيا ونيكاراغوا وغواتيمالا تتطلب دعما خارجيا للبرامج التي تستهدف جميع السكان الذين يعانون من حالة الفقر المدقع، في حين تملك بقية الدول المذكورة الموارد اللازمة لتمويل هذه البرامج وحتى التوسع فيها”