لم تتردد ساكنة طنجة في إطفاء الأضواء يوم السبت الماضي، وسارت على نهجها مدن شمال البلاد مثل تطوان ومرتيل والفنيدق احتجاجا على ارتفاع فواتير الماء والكهرباء التي تضرب مفهوم أي تنمية في الصميم. وهذا الملف يثير فزع الدولة المغربية خوفا من انتشار الظاهرة في ربوع المغرب.
وللمرة الثانية، قادت طنجة مسيرة مواجهة شركة أمانديس بإطفاء الأضواء من الساعة الثامنة الى العاشرة ليلا، وخروج مسيرات من الأحياء الشعبية نحو وسط المدينة للتنديد بالارتفاع الصاروخي ومنذ سنوات الذي تفرضه أمانديس على ساكنة الشمال.
وستكرر مدن الشمال إطفاء الأنوار واللجوء الى الشموع يوم السبت المقبل، وهذه المرة قد ترفع فترة الاحتجاج الى ثلاث ساعات بدل ساعتين.
ويثير ملف أمانديس فزع الدولة المغربية، فهو ملف اجتماعي شائك لا تتزعمه أي حركة من الحركات السياسية بل مبادرات المجتمع المدني والأسر التي تكتوي بفاتورة الغلاء المطلق. ويتجلى قلقها وفزعها من احتمال قيام مدن أخرى باحتجاجات مشابهة من استعمال الشموع والامتناع عن تأدية الفواتير.
وتحاول الدولة المغربية السيطرة على هذا الملف عبر شتى الوسائل ومنها الحوار الاجتماعي والتدخل العنيف ضد التظاهرات والرهان على المحاكمات.
وأصبحت الأسعار الصاروخية للماء والكهرباء تضرب في الصميم أي مفهوم للتنمية البشرية، بحكم أن توفير الماء والكهرباء بأسعار مناسبة تناسب دخل أغلبية المواطنين هو ركيزة أساسية للحديث عن التنمية.
وتبقى المفارقة الكبرى في هذا الملف الاجتماعي، أنه في الوقت الذي يكتوي فيه المواطنون من غلاء أسعار الماء والكهرباء، تقدم الدولة المغربية لجل الموظفين الكبار ومنهم حتى الوزراء تعويضات عن الماء والكهرباء تتجاوز وبكثير ما يستهلكونه.
وكانت أمانديس قد حازت منذ بداية العقد الماضي وفي ظروف غريبة وغامضة على تسيير الماء والكهرباء، وكانت مسيرات وقتها قد نددت بعملية التفويت. وبعد مرور أكثر من عشر سنوات، جعلت أمانديس فاتورة الماء والكهرباء الأغلى في العالم مقارنة مع دخل المواطن المغربي بل فاتورة الماء تتجاوز فاتورة الماء في الولايات المتحدة، علما أن الدخل المغربي هو 3300 دولار ودخل الأمريكي.
وعلاقة بهذا، يعتبر المغرب ربما البلد الوحيد في العالم الذي تتجاوز فيه فاتورة الماء والكهرباء مرتبات بعض المتقاعدين الذين يتوصلون بمرتبات ضعيفة أو تستحوذ على نصف مرتباتهم.