تسعى حكومة إسبانيا الى وضع مخطط استراتيجي لمعالجة أوضاع سبتة ومليلية المحتلتين في أعقاب التوتر الذي انفجر مع المغرب، ويهدف أساسا الى خلق توازن ديمغرافي وإيجاد بدائل اقتصادية وفك ارتباط المدينتين بالمغرب.
واطلعت جريدة الباييس على وثيقة سرية لحكومة مدريد تتضمن تحليلا للأوضاع السياسية والاجتماعية والدينية في سبتة ومليلية ثم معالم المخطط الاستراتيجي المنشود لتعزيز ما يمكن اعتباره “الطابع الإسباني” للمدينتين. وترصد الوثيقة التي نشرتها هذا الأحد بعض المميزات السلبية للمدينتين في الوقت الراهن وهما تراجع العلاقات الاقتصادية بعدما قرر المغرب إنهاء نشاط التهريب من المدينتين نحو المدن والبلدات المغربية المجاورة مثل حالتي تطوان والفنيدق بالنسبة لسبتة والناضور بالنسبة لمليلية.
وفي نقطة أخرى، تركز الوثيقة على تدهور الأوضاع الاجتماعية في المدينتين ثم الخلل في النمو الديمغرافي لصالح الساكنة من أصول مغربية نتيجة الهجرة المغربية بينما تراجعت الساكنة من أصول اسبانية.
وتولي الوثيقة أهمية خاصة لتدهور الأوضاع الاجتماعية التي تؤدي الى فوارق اجتماعية كبيرة، مما ينتج عنه ارتفاع مشاعر معاداة الآخر ومنها الشكاوى بشأن تراجع الخدمات الاجتماعية في التعليم والصحة.
وعناصر الانفجار الاجتماعي، وفق الجريدة، متواجدة منذ مدة، وفضلت الدولة الإسبانية غض الطرف عنها بسبب إيلائها أهمية خاصة للعلاقة الاستراتيجية مع المغرب وتفادي كل ما من شأنه التشويش على هذه العلاقة. مبرزة انتهاء هذه العلاقة الاستراتيجية الآن والتي كانت على حساب المدينتين بسبب الأزمة السياسية التي اندلعت بين البلدين بسبب نزاع الصحراء ولاسيما بعد استقبال مدريد لزعيم البوليساريو إبراهيم غالي للعلاج من مرض الكوفيد-19 خلال منتصف أبريل/نيسان الماضي، ثم الرد المغربي بعدم مراقبة الحدود مع سبتة مما أدى الى دخول عشرة آلاف مغربي الى هذه المدينة.
وتؤكد الباييس المقربة جدا من دوائر الحكم كيف تحولت سبتة ومليلية الى قضية استثنائية تحظى بالأولوية في الأجندة الحكومية التي تسعى الى وضع مخطط استراتيجي ستشرف عليه مؤسسات متعددة تحت الإشراف التام لوزارة السياسة الترابية بتنسيق مع حكومتي الحكم الذاتي في المدينتين وكذلك باقي الوزارت والمؤسسات.
وفي انتظار وضع المخطط الاستراتيجي، تقوم الحكومة بتطبيق برنامج إنقاذ مؤقت يرمي الى الحد من البطالة التي بلغت في سبتة حوالي 30% وفي مليلية 20% من خلال ربط المدينتين بالنظام الجمركي الأوروبي ثم تعديل النظام الاقتصادي والاجتماعي للمدينتين. وترغب في تمتيع المدينتين بأقصى المحفزات الضريبية وخاصة بالنسبة للسياحة بالتركيز على السياحة الخاصة بالسفن الكبيرة، ثم تحسين وسائل النقل خاصة الجوي بين المدينتين والمدن الإسبانية. وفي الوقت ذاته، إنشاء منطقة كبيرة لخلق نشاط اقتصادي شامل كما فعلت اسبانيا من قبل عندما راهنت على الرفع من مستوى المدن والبلدات المجاورة لصخرة جبل طارق.
ويتضمن التقرير، وفق جريدة الباييس، فرض تأشيرة الدخول على المغاربة للمدينتين بعدما كانت ساكنة هذه المناطق المغربية المجاورة لسبتة ومليلية تدخل إليهما بدون تأشيرة. وسيتضمن المخطط إدماج عناصر من الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي لحراسة الحدود البحرية والبرية مع المغرب. واقتصاديا، سيتضمن المخطط تعزيز كل الإجراءات المتضمنة في برنامج الإنقاذ الاستثنائي، ثم التحكم في النمو الديمغرافي لكي لا يكون لصالح الساكنة من أصول مغربية. وعلاوة على كل هذا، فك الارتباط الديني بين الساكنة المسلمة والمغرب، إذ أن عدد من أئمة مساجد سبتة يتم تعيينهم من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
وتستعمر اسبانيا مدينتي سبتة ومليلية منذ قرون، ويطالب المغرب باستعادتهما، وعادتا الى الواجهة في أعقاب الأزمة الأخيرة لاسيما بعدما شدد البرلمان الاوروبي على طابعهما الأوروبي في بيان له يوم 10 يونيو الجاري، ثم رد البرلمان العربي في بيان مضاد يوم 26 يونيو على الطابع العربي لهما.