وجه الملك المغربي الملك محمد السادس ليلة الاثنين من الأسبوع الجاري خطابا الى الشعب بمناسبة عشرين سنة على وصوله الى العرش، وتميز هذه المرة بنبرة نسبيا برغماتية في معالجة المشاكل والتعاطي مع الواقع الصعب لشريحة كبيرة من المغاربة بعيدا عن المنطق الذي ساد في السابق وهو “اللهم كثر من حسادنا”.
وتضمن الخطاب الكثير من المحاور منها الوحدة الوطنية وإن كان أهم محور هو الخلل الذي يعيشه المجتمع المغربي نتيجة تفاقم الشرخ الطبقي بين فئة محدودة تمتلك كل شيء وفئات واسعة محرومة من كل شيء تقريبا. وجاء الخطاب نسبيا متماشيا مع ملاحظات غالبية الرأي العام المغربي ووسائل الاعلام الدولية التي ركزت على الشرخ الاجتماعي وعلى التصورات الخاطئة التي جعلت المغرب يتوفر على قطار سريع كلف أكثر من ثلاثة ملايير يورو ولا يوفّر آلة قياس الحرارة في مستشفيات البلاد تساوي 20 درهما.
وتفاديا لهذا الوضع الذي يهدد استقرار البلاد وكل المؤسسات بدون استثناء بحكم أن التاريخ يبرز أنه عندما تفشل مؤسسة في التسيير يبدأ التشكيك فيها والبحث عن بديل، اقترح الملك لجنة جديدة لمعالجة هذا الخلل. وجاء في الخطاب ما يلي:
” قررنا إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، التي سنقوم في الدخول المقبل، إن شاء الله، بتنصيبها. وقد راعينا أن تشمل تركيبتها مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، تتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد، والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا. وهنا أود التأكيد، أن هذه اللجنة لن تكون بمثابة حكومة ثانية، أو مؤسسة رسمية موازية؛ وإنما هي هيأة استشارية، ومهمتها محددة في الزمن. وعليها أن تأخذ بعين الاعتبار التوجهات الكبرى، للإصلاحات التي تم أو سيتم اعتمادها، في عدد من القطاعات، كالتعليم والصحة، والفلاحة والاستثمار والنظام الضريبي؛ وأن تقدم اقتراحات بشأن تجويدها والرفع من نجاعتها”.
يعد خطاب الملك بمثابة قطيعة غير معلنة مع أساليب الماضي لاسيما في تأكيده على ضرورة استعادة ثقة المواطن في المؤسسات، ونهاية اقتصاد الربيع وانخراط الجميع في بناء البلاد ومواجهة التحديات. وهذا يعني ضرورة إنشاء وتسطير “كتاب أبيض” يكون دليل المغرب نحو التغيير والارتقاء، ويبقى التساؤل: هل الملكية ومحطيها وأجهزتها في المقام الأول قادرة على إحداث هذا التغيير بتغيير رؤيتها في ظل تفاقم الفساد وثقافة التملق ومحاربة كل صوت معارض ينبه الى المخاطر، هذه المخاطر التي وقع فيها المغرب الآن.