بدأ الرئيس المصري الجديد محمد مرسي فجرعهده الرئاسي بتجربة إعلامية تبناها من قبل رؤساء وزعماء دول أخرى مثل الرئيس الفنزيولي هوغو تشافيز، ورئيس الإيكوادور رفائيل كورِّيا و الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذين باشروا أعمالهم الإذاعية و التلفزية من قصورالرئاسة.
ويبدو أن الرئيس المصري قد أخذته العزة بالديمقراطية، في نشوة بلاده الثائرة، فقررالمشاركة في برنامج إذاعي مباشرعلى مدى شهر رمضان، يجيب على أسئلة شعبه الذي يقارب الثمانين مليون نسمة، وفي خمس دقائق فقط.
يُخيَّل أن الأسئلة التي سيجيب عنها الرئيس الإعلامي ليست أسئلة دينية على الرغم من أن البرنامجَ عمره بعمر شهر رمضان ، فمصر حَبلى بالقنوات الدينيةِ ومذيعيها “العلماءِ”، يُفترض أَن تكون الأجوبةُ سياسيةً من السيد الرئيس، وإن كانت بالتاكيد، سوف تكون أجوبة رجل سياسي بمرجعية دينية. خمس دقائق مدة البرنامج توحي أن الاسئلة سوف تكون انتقائية…
نحن لا نسيئ الظن ، سنعتقد أن الأمر يرتبط بتدبير “كثرة الاسئلة وليس بنوعيتها” الكبيرة.
برنامج “الشعب يسأل والرئيس يجيب” وبطله الرَّيسُ الإعلامي السيد مرسي هو في جوهره وليس في شَكلِه أو زمنهِ، فكرةُ برنامج تلفزيوني للرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز يسمى” ألو برزيدنتي/ ألو الرئيس”، بدأ هذا البرنامج أيضا مع بداية تسلم تشافيز السلطة في البلاد في عام 1999، وفي مايو من السنة ذاتها جرى بث أولى حلقات برنامج الرئيس التلفزيوينة “ألو بريزيدنتي”، وذلك بغرض التجاوب مع الشعب الفنزويلي و يجيب على أسئلته على الهواء مباشرة.
غير أنه مع مرورالوقت طال زمن وعمر البرنامج، ومع تغيرالأحوال وتبدل الأزمان مع ثبوت صاحب الحال على حاله، صار البرنامج من حال إلى حال، من فضاء لإجابات الرئيس على أسئلة شعبه مُباشَرةً، إلى منبر لنشر وتمرير الخطط السياسية لحكومة الرئيس والتبشيربإديولوجيتها”.
ثمة تعامل خاص يحظى به هذ البرنامج مادم ” برنامجا للرئيس”، فقد كان الإعلان عن مواعيد ” ألو برزيندتي ” يُقتصر فيه على ذكر موعد بدئه فقط من دون موعد نهايته ” مادام أن لا أحد، بمن في ذلك القائمون على البرمجة، عدا العلي القدير علام الغيوب، يعرف نهايته.
“عندما تحلو القعدة ” ياريس يطول الحديث.
برنامج الرئيس المصري الجديد لحد الساعة ” خفيفٌ ظريفٌ قصيرٌ” لا يتجاوزعمره الدقائق الخمس، وسيكون مع ذلك أقصر حتى من برنامج تلفزيوني للرئيس فلادمير بوتين الذي يعقده سنويا واسمه “حديث مع بوتين” يجيب فيه على أسئلة الشعب الروسي”. وصِفَةُ ” السنوي” هذه التي تُطلق على برنامج بوتين لا تعكس في الحقيقة “أن الزعيم الروسي” زاهد في التلفزيون، بل لأنه من ” الزعماء المذيعين الإعلاميين” الذي يحبون أن ينشطوا برامج الحركة / الأكشن”، والبرامج الواقعية، فتتبعه كاميرات القنوات العمومية في حله وترحاله، في سباحاته وغطساته تحت الماء، في مبارزاته في حلبات الجيدو، لتعزيز ” الأهلية السلطوية للرجل ” لقيادة البلاد.
ومع ذلك برامج بوتين، هي على الأقل، برامج حركية وحيوية، قد تطرد في لحظةِ ضَجَرٍ بعضاً من المللِ، فما بالُ البرامجٍ الواقعية غيرالمعلنة التي يديرها الزعماء العرب على قنواتنا العمومية يوميا وعلى مدى عمر البث، خطب طويلة وأنشطة مكثفة وإن كانت من دون كبير حركة أوبركة.
الله يغفر لك أيها الراحل القذافي، كم كانت تطول خطبك، وصلواتك وزكواتك، على شاشاتك العمومية.
الكل يتذكر إمامته الشهيرة للمصلين لصلاة الجمعة في إحدى البلدان الإفريقية نقلها التلفزيون الليبي مباشرة. صلى بهم العقيد الراحل ركعتي الظهر بسورة البقرة كاملة، فما كان من المصلين تحت حر الشمس الإفريقية الملتهبة، إلى أن بدأوا ينسحبون رحمة بأنفسهم في صلاة لم يبق بها إلا الصابرين المحتسبين الطامعين في عطاء القذافي، ملك ملوك إفريقيا، يرحمه الله ويغفر له.
حينما تحلو القعدة أيها السيد الرئيس يُشرع في إطالة عمر أشياء كثيرة…
تتم إطالة عمر البرنامج حتى يصيرمن فرط طوله بلاعمر ، تخيل “ياريس” أن الرئيس الفنزويلي الذي استحلى القعدة جدا جدا، كان يصدر حتى أوامر رئاسية وحكومية أثناء تنشيطه لبرنامجه التلفزيوني وعلى الهواء مباشرة.
انظر السيد الرئيس، هل رأيتهم حين تحلو القعدة أكثر من اللازم؟.
فقد اتخذ تشافيز قرارين سياسيين ورئاسيين أثناء تنشيطه لبرنامجه ” ألو بريزيدينتي”، أمر على الهواء مباشرة وزير دفاعه غوستافو رانخيل بنقل الجنود الفنزويلييين إلى الحدود مع كولومبيا، وفي البرنامج ذاته طلب من مستشاره سحب كل موظفيه الدبلوماسيين من بوغوتا بعدما قامت الأخيرة بالإعداد لهجوم على المتمردين “الفارك”.
احذر أيه “الريس” مرسي من اتخاذ قرارت مماثلة على الهواء، فإسرئيل قريبة منك وستسمعك، إذا “احلوت القعدة” أيها الرئيس سوف تراك تقول كل شيئ وستوفر أنذاك على إسرائيل جواسيسها.
لكي تتفادى ذلك عليك على “ياريس” بتفادي أن “تحلو القعدة” فيطول الحديث وتطول معه أشياء أخرى، واحرص أن يكون لبرنامجك موعد نهايةٍ قبل البداية.
كل من طالت أعمار برامجهم “ياريس” طالت أعمار تسلطهم وأصيبوا بالتخمة، فصاروا من فرطها بلا رقبة، ومستهم وأمراض سلطوية عديدة، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.