وقفت إمرأة مغربية من ضحايا دوار الواسطي تخاطب الملك محمد السادس ليلة الجمعة 28 سبتمبر 2018 بتعابير جريئة قد يتفق المرء معها أو يختلف، وحمل مئات الشباب في تطوان خلال الليلة نفسها كما وقع في تظاهرات سابقة شعار “التخلي عن الجنسية المغربية”، وعندما يتم البحث عن الأسباب العميقة لهذه الظاهرة، نجد قلق المواطنين من صمت الدولة على قضايا فساد الى مستويات غريبة، ولعل أبرزها ضمن العشرات قضية خدام الدولة وقضية المخطط الاستعجالي علاوة على تهريب الذهب.
المواقف المعبر عنها ليست بالضرورة عن قناعات بل هي من نتائج الغضب العميق جراء فقدان الأمل في الدولة، وهي مواقف بدأت تعيد الى الواجهة النقاش الأبدي حول الوطنية ومفاهيمها. والتوقف عن هذه المظاهر بدون معرفة الأسباب سيؤدي لا محالة الى مزيد من الاحتقان الخطير الذي بدأ يهدد الاستقرار في المغرب باستثناء أولئك الماسكين بالمطرقة ويرون كل شيء بمثابة المسامير كما يقول المثل الانجليزي.
ما يعيش المغرب حاليا من انفجار بعض مظاهر الغضب الذي يصل الى مستوى المطالبة بالتخلي عن الجنسية كما حدث في تطوان والدار البيضاء، حادثي حياة والواسطي، هو تصرف الدولة المغربية، هو إحساس الناس بأن البلاد لا تحميها دولة ذات شرعية بل مجموعة من الناس لها مصالح تجارية ليس إلا، وهو إحساس الناس بالشرخ العميق بين السلطة وباقي الشعب.
ويمكن الاكتفاء بمثالين بارزين يؤكدان موقف خيانة الدولة للشعب، ويتعلق الأمر بأسس مستقبل الأمة المغربية وبأسس مستقبل هذا الشعب، ومما يزيد الطين بلة هو توظيف أطراف من هذه الدولة الوطنية للتهجم أو تبرير تصرفات ما.
الصمت عن اختلاس المخطط الاستعجالي للتعليم
يعتبر التعليم من الأسس الرئيسية التي تقوم عليها الأمم إن لم يكن الركيزة الأساسية لتقدم ورقي كل أمة. وتفيد التجارب التاريخية في الماضي والحاضر كيف تقدمت أمم بفضل التعليم والبحث العلمي. وراهنت الدولة المغربية على مخطط أسمته “الاستعجالي” لإنقاذ التعليم المغربي من التدهور. وكباقي المخططات المغربية، يقودها الجشع والدراسات السطحية، فقد اعتمدت الدولة المغربية دراسات سطحية للغاية، ووفرت ميزانية ضخمة.
وبعد مرور سنوات، تدهور التعليم المغربي بشكل ملفت وهو من أسباب التخلف الذي أصبح ينيويا للمغرب وسط باقي الأمم. والأخطر ما في الأمر، هو اكتشاف السرقة التي تعرضت لها ميزانية المخطط الاستعجالي، فقد تبارى مسؤولون في إبداع أشكال سرقة أموال كان يفترض توظيفها في رقي الأمة المغربية.
تعترف الدولة بوقوع خروقات مالية فظيعة في صفقات المخطط الاستعجالي، لكن التساؤل الذي يطرح: لماذا النيابة العامة التي تعتبر من الهياكل الرئيسية للدولة لم تتحرك لبدء الاعتقالات والمحاكمات واسترداد أموال الشعب المغربي؟ إن موقف النيابة العامة هو موقف الدولة المغربية، وهو التستر على الفساد في أجلى صوره، ويجعل هذا الصمت خيانة من طرف الدولة التي يفترض أنها مؤتمنة على أموال وومتلكات الشعب المغربي.
بين الصحراء وفضيحة أراضي خدام الدولة
خلال صيف 2016، انفجرت فضيحة أراضي خدام الدولة، وكان أحد أبطالها وزير الداخلية الحالي لفتيت وتطور الأمر الى معرفة مئات المسؤولين الذين اقتسموا أراض تقع في الرباط وتساوي مئات الملايين من اليورو، جرى تفويتها ب 350 درهما للمتر، استفاد الضابط والوزير والأمين العام للحزب ونافذين آخرين.
بررت الدولة المغربية عملية السرقة هذه بقانون استفادة المسؤولين من أراضي الدولة، وجاء هذا في بيان رسمي يعتبر من أسوأ البيانات في تاريخ الولة المغربية. انتفض الرأي العام المغربي ضد هذه الفضيحة، لم يحرك أحد من المسؤولين من الملك محمد السادس الى رئيس الحكومة أو النيابة العامة ساكنا لفتح تحقيق في عملية نهب ممتلكات الشعب.
هنا نتساءل بحرقة: الوطن الذي اسمه المغرب جاء بناءه التاريخي عبر مواجهات مع اسبانيا وأوروبا، وضحى الأجداد لحماية حدوده من الاستعمار. وجرى استعماره بتواطئ من السلطة المركزية بسبب سلطانين، عبد العزيز الذي أهمل البلاد لشهوات جنسية وصبيانية وعبد الحفيظ الذي وقع على وثيقة الاستعمار، ويستمر الشعب حتى الآن في التضحية من أجل الصحراء ويتوق لاستعادة سبتة ومليلية، وتكتسي هنا الأرض رمزية خاصة، وفي آخر المطاف يأتي موظفون مرتشون، موظفون لا ضمير لهم، ومسؤولون سياسيون ونافذون ويستولون على قطع أرضية بأثمنة بخسة. نعم إن هذا تصرف يشكل استعمارا داخليا.
لا يمكن للدولة وملحقيها السياسيين والاعلاميين الحديث عن الوطنية في وقت تتستتر بل وتزكي الاختلاسات التي تعرض لها أهم ركن لرقي البلاد وهو التعليم، وتبارك سرقة الأرض المغربية كما حدث مع أراضي خدام الدولة.
لا يمكن تبرير تصرفات مثل التخلي عن الجنسية، لكن من أسباب هذه الظاهرة هو خنق الناس على الفساد الذي ينخر البلاد وأصبح من ركائز الدولة، الناس ليست غبية، بدأت تعرف من اغتنى على حساب ممتلكات الدولة، تدرك نتائج الجمع بين السلطة والثروة. نعم، تصرف الدولة في الملفين (وكم من ملفات موجودة)، يجعلها “خائنة” للشعب المغربي، هذه الدولة التي تتشدق بالوطنية في كل ثانية وتوظفها ضد من خالفها الرأي ولو التنديد بالجرائم البشعة مثل نهب ممتلكات البلاد.