تفرض الأزمة الأوكرانية وضعا جيوسياسيا جديدا في العالم يؤكد العودة القوية لروسيا الى مسرح الأحداث. ويجد المغرب نفسه معنيا بشكل أو آخر بهذه العودة سياسيا وعسكريا على مستويات متعددة. وسبق أن استفاد المغرب من التوجه الجديد لموسكو في ملف الصحراء المغربية السنة الماضية عندما تخلى عنه الغرب وكاد حليفه التاريخي، الولايات المتحدة، أن يفرض عليه وضعا جديدا في هذا الملف.
وسنوات بعد الاستقلال، اختار المغرب انتماءه السياسي والاستراتيجي الى الغرب خوفا من الإديولوجية الشيوعية في وقت كان الاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة يتمدد ويبحث عن إقامة أنظمة موالية له. وهناك حديث عن تورط الاتحاد السوفياتي في الانقلابات التي شهدها المغربي سنتي 1971 و1972، وفق كتاب لعميلة للمخابرات الأمريكية باسم “المؤامرة المغربية” لآلين رومانونيس صدر سنة 1992.
ومع انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي، تغيرت روسيا ولم تعد مهتمة بتصدير الإديولوجية الشيوعية بل بتعزيز نفوذها ونسج علاقات متينة مع الدول مهما كان شكل نظامها.
ويسود الاعتقاد لدى شريحة كبيرة من الرأي العام المغربي بانحياز روسيا الى الجزائر في نزاع الصحراء. وهي أطروحة تعتمد الحرب الباردة ومتانة العلاقات تفسيرا وهذا يجعلها ذات مصداقية. وتكشف الوقائع التاريحية نسبية هذه الأطروحة وعدم صحتها، ذلك أن الاتحاد السوفياتي وقف الى جانب المغرب في وحدته الترابية بما في ذلك عندما كان المغرب يعارض استقلال موريتانيا في أواخر الخمسينات ويعتبرها جزءا من أراضيه . والى غاية اليوم تستمر روسيا في دعم غير مباشر لوحدة المغرب رغم العلاقات التي تربطها بالجزائر، فهي لا تستقبل زعماء البوليساريو ولا تقدم لهم مساعدات .كما أن موقف سفيرها في الأمم المتحدة أقل حماسة من دفاع واشنطن أحيانا على البوليساريو.
واستفاد المغرب من عودة روسيا الى مسرح الأحداث السنة الماضية عندما أوقف الكرملين محاولة البيت الأبيض تكليف قوات المينورسو مراقبة حقوق الإنسان. وجاء قرار موسكو رغم الموقف المغربي المنحاز للغرب في الملف السوري باحتضان مؤتمر للمعارضة السورية وأصدقاء الشعب السوري وعلى رأسهم الولايات المتحدة في اجتماع في مراكش في أواخر سنة 2012.
وعارضت موسكو تكليف قوات المينورسو بمراقبة حقوق الإنسان في نزاع الصحراء خلال أبريل الماضي، الأمر الذي فاجأ الرباط والجزائر على حد سواء. وانطلقت موسكو من مبدإ أساسي في سياستها الحالية يقوم على تفادي اتخاذ القرارات التي يمكن أن تحدث تطورا دراميا في مناطق معينة وتخلق فيها حالة من الفوضى.
وهذا الموقف، جعل الرباط تبدأ في تطوير العلاقات مع موسكو بعدما تعرضت لما يمكن وصفه ب “طعنة الغرب” ولاسيما الحليف الأمريكي. وكانت ألف بوست قد كتبت مقالا في هذا الشأن في بداية يناير الماضي، وتناولته بعض وسائل الاعلام الروسية باهتمام.
والآن يتبين للمغرب أهمية “الدب الروسي” في صنع القرار العالمي وخاصة فلسفته القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية والقرارات وإحداث تغييرات درامية تهدد السلام الاقليمي، وهو ما يخدم موقف المغرب في الصحراء.
وتتمدد روسيا في العالم ومنها عودة أسطولها الحربي في البحر الأبيض المتوسط والواجهة الأطلسية. وقد يجد المغرب نفسه أمام طلب روسي بتسهيلات عسكرية لا تتجاوز رسو بعض السفن أو الغواصات العسكرية في موانئ مغربية لمدة أيام. وكانت سفينة “بطرس الأكبر” قد رست قبالة الشواطئ المغربية في الحسيمة خلال نوفمبر الماضي لمدة أسبوع. وهناك أخبار مسبقة تتحدث عن طلب روسي للمغرب بهذه التسهيلات مستغلا التوتر القائم مع بعض الدول الغربية بسبب مقوفها من نزاع الصحراء.
ما يمكن وصفه ب “الخيانة” التي تعرض لها المغرب دبلوماسيا من حليفه الغرب خلال السنوات الأخيرة في ملف الصحراء، قد تجعله يفكر ويراهن على “روسيا الجديدة”، إن لم نقل أن هذا الرهان قد بدأ فعلا ومن شهور. ومن عناوين هذا الرهان، إرسال الملك محمد السادس رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران لحضور افتتاح الألعاب الشتوية في روسيا منذ ثلاثة اسابيع، ثم التزام المغرب رسميا الصمت في الملف الأوكراني رغم عضويته في مجلس الأمن الدولي.