أرملة بها لـ”اليوم24″:هكذا قضى آخر يوم من حياته وهكذا تلقينا خبر وفاته
كثرت الروايات والتأويلات المتعلقة بظروف وملابسات وفاة وزير الدولة عبد الله بها… روايات لا تريد أسرته الصغيرة الالتفات إليها، فهي، حسب فاطمة معنان أرملة الراحل، تبقى مجرد تفاصيل، في ما الثابت أن بها رحل إلى جوار ربه بعد أن “انتهت مهمته في الحياة”، على حد تعبير نفس المتحدثة التي فتحت قلبها لـ”اليوم 24″ في هذا الحوار التي تعيد فيه رسم تفاصيل آخر يوم من حياة “حكيم” البيجيدي.
تكاثرت الروايات والتتأويلات المتعلقة بظروف وفاة عبد الله بها، كيف استقبلت أسرتك هذا الأمر؟
“حنا ما بغيناش نعرفو حتى حاجة من داكشي كامل، وأنا شخصيا ما بغيت نقرا لا جرائد ولا شي حاجة ،” يكفيني ما أتوصل به من المقربين من مواساة وتعازي، ولا أريد الدخول في أمور قد تتشعب.
أهم ما في الأمر هو أن الراحل “أدى رسالته التي خلق من أجلها، ” كما كان يقول هو نفسع عند سماعه نبأ وفاة شخص ما، وهذا ما نضعه حاليا نصب أعيننا، نحن مطمئنون إلى أن رسالته انتهت وانتهى الدور الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى ليقوم به في الأرض ورحل إلى ربه، غير ذلك “ما بغيت نعرف حتى حاجة وما بغيت نسمع حتى حاجة ،” لأن كل ذلك يبقى تفاصيل. فالمهم بالنسبة لنا هو أن بشارات صلاحه رحمة الله عليه ظهرت في محبة الناس له من المغرب وخارجه، والمغاربة مجمعون على صلاحه وعلى طيبوبته، و هذا يكفينا وأنا أفتخر به كزوج وأولاده يفتخرون به كأب.
هل من الممكن أن تحكي لنا تفاصيل آخر يوم من حياته؟
كان يوم الأحد الماضي، صلينا كالعادة الصبح جماعة، ورجع يقرأ القرآن، وآخر سورة كان بصدد قراءتها كما عرفت اليوم بعد أن فتحت مصحفه كانت سورة الحجرات، ومعلوم أن هذه السورة تتحدث عن الاخلاق والمعاملات.
“فطرنا مجموعين مع وليداتنا ، تغدينا مجموعين وصلينا صلاة الظهر والعصر جماعة.” بعد ذلك، أنا غادرت المنزل لقضاء بعض الحوائج، كما هو الحال بالنسبة لابنتي حكمة، وتركنا المرحوم في البيت مع ابني الآخر. بعد فترة اتصل بي هذا الأخير ليطلب مني أن أتكلف بإيصال ابنتي التي انتهت من أشغالها، قلت له أنه إذا تيسر لي الأمر سأقوم بي ذلك، إذا لم يستيسر الأمر سأعود إلى البيت لأضع أغراضا ما ثم أذهب لأقلها.
أنهيت المكالمة معه ليتصل بي بعدها مباشرة ليخبرني أن والده سمع محادثتنا وأخبره بأنه سيتكلف بتوصيل حكمة، وهذا ما كان.
بعد وصولي إلى المنزل، دخلت حكمة إلى البيت بمفردها، وبعد أن سألتها عن والدها أخبرتني أنه تكلف بإيصالها وقال لها ” أنا شوية ونرجع، ” وبعد أن قالت له أنها يجب أن تعود إلى منزلها، أخبرها أنه سيحاول العودة مبكرا ليلتقيها قبل ذلك.
خلال رحلة عودتها إلى المنزل، أخبرتني حكمة أنها دخلت في حديث مفصل مع والدها لمناقشة موضوع حول القضاء والقدر، “قالت لي أنه مازال خصو يكمل معايا الكلام في الموضوع عليه بعض الأسئلة،” لكن الله سبحانه وتعالى شاء غير ذلك.
ليلا بدأت تتقاطر علي الاتصالات الهاتفية، يسألني فيها الإخوة عن مكان الراحل، الذي كنا نجهله، وكنا ساعتها لم نطلع لا على تلفاز أو أي وسيلة إخبارية، حتى اتصلوا بي وقالوا لي “سيري لبيت سي عبد الإله”،عند وصولي إلى هناك فهمت أن زوجي توفى.
من الذي أبلغك بخبر الوفاة؟
لما كنت في بيتي “حتى واحد ما بغا يتكلم معانا على وفاته “، قيل لنا أنه فقط أنه “دار حادث،” نحن تخيلنا أن الأمر يتعلق بحادث سيارة في الطريق السيار، ولم يذكر لنا أي أحد احتمال الوفاة.
بعد وصولنا إلى بيت سي عبد الإله “كنشوف الأخوات كيعنقوني وكيبكيو “، ظننت ان الأمر يتعلق بحادثة سير خطيرة، ولكن لم يخطر ببالي ولو للحظة أن الأمر يتعلق بالوفاة، حيث اعتقدت أن الأمر مشابه للحادثة اللتي سبق وأن أصيب فيها المرحوم في الصحراء، حيث كان نفس السيناريو تقريبا، يتصل بي الناس ويسألونني عن زوجي ولا يتحدثون معي بوضوح، إلى حين وصلت إلى منزل سي عبد الإله حيث أخبروني أنه أصيب في حادث وأنه تم نقله للمستشفى حيث ذهبت للاطمئنان عليه.
هذه المرة، تخيلت أن تكون الحادثة ستكون أكثر خطورة، ولم يخطر ببالي أمر الوفاة، لكن أقدار الله جارية فينا، وهذه سنة الحياة، وكما كان يقول الفقيد،” المهمة اللي خلقو الله عليها انتهت والتحق بالرفيق الأعلى.”
متى كان آخر اتصال لك بالمرحوم؟
آخر مرة اتصلت بهاتفه كانت حوالي الساعة الثامنة من يوم وفاته، وذلك بعد أن طلب مني الإخوة أن أتصل به لأنه لا يجيبهم، ولم يجبني أنا الأخرى. في حدود الساعة الثامنة والنصف اتصلوا بي وأخبروني بضرورة الذهاب إلى بيت سي عبد الإله.
باستثناء ذلك، لم أتصل بالمرحوم أو يتصل بي بعد خروجه من البيت حيث تركته.
آخر شخص تحدث معه من الأسرة ابنته حكمة حول موضوع القضاء والقدر كما قلت سابقا، و”هادشي اللي كاين.”
هل صحيح أن الوزير الراحل سبق وأن أخبرك بأنه تفقد مكان وفاة القيادي الاشتراكي الراحل أحمد الزايدي أكثر من مرة قبل وفاته؟
لا أعرف إن سبق له زيارة هذا المكان، فهو لم يسبق له أن أخبرني بذلك. الأمر يتعلق فقط بتأويل مني، فالمرحوم عادة ما يختلي بنفسه خارج البيت ليتدبر المسائل التي تشغل باله، حيث كان يقول لي أنه يستلهم أجوبة لأسئلته أثناء اختلائه بنفسه، “كان كيمشي وكايوصل لمعمورة أو لتمارة أو الهرهورة أو حدا البحر، “يعني أنه له عادة الاختلاء بنفسه للتفكير والتدبر.
يعني أنكم متعودون على خروجه المتكرر دون أن تعرفوا مكان تواجده؟
صحيح، وكنا لا نطرح عليه أسئلة في ما يتعلق بهذا الأمر. أعود إلى موضوع زيارة مكان وفاة الزايدي. يوم قيل لي أنه توفي على مقربة من ذلك المكان، خمنت أنه سبق وأن زاره، حيث أنني تذكرت أن المرحوم الذي كان متعودا أن يرتدي لباسا رياضيا خفيفا في معظم خرجاته هذه، عاد في يوم ما إلى المنزل وحذاؤه الرياضي ملوث بالطين، أياما قبل وفاته.
فالمرحوم ومنذ أن توفي الزايدي رحمة الله عليه ،وهو يفكر كيف توفي في طريق يمر عبرها يوميا، وكان يحول فهم ما حدث، فمن عادته التمحيص في مسائل كثيرة. زيادة على ذلك، قال لي حول الأمر “أننا جميعا مسؤولون، ايلا كان شي حاجة ماشي هي هاديك فديك القنطرة خصها تصلح، وما تعاودش توقع شي فاجعة بحال هاديك.”
يوم دخل إلى المنزل بحذائه ملوثا، قلت له “فين كاتمشي فين كاتوصل،” ليرد علي بأن الوحل ينتشر في كل ماكان في الأيام الممطرة. لكن هذا لا يؤكد أنه ذهب إلى مكان وفاة الزايدي، تبقى هذه تخميناتي الخاصة، خمنت أنه يومها زار تحت القنطرة، ويوم وفاته زار فوقها، لكن هذا لا يؤكد شيئا.
ما هي الوصايا التي كان عبد الله بها يكررها على مسامع أسرته وأولاده؟
كان يلح على أبنائه على طلب العلم والمعرفة طول حياتهم وفي أي وقت. وكان يلقن لهم مبادئ حب الوطن والوطنية، ويقول لهم أحسنوا إلى الناس وساعدوهم وحاولوا أن تحلوا مشاكل البسطاء لأنهم عماد الوطن. فغياب التكافل بين أفراد المجتمع ماديا و معنويا حسب الفقيد قد يوصلنا إلى يوم قد لا نستأمن فيه على أرواحنا، لأن الناس لن يقبلوا الظلم.
وكان رحمة الله عليه لا يغضب لشيء إلا الظلم، فكان لا يقبل أن يظلم الناس في معيشتهم واستشفائهم وتعليمهم، وكان يعمل جاهدا على أن تسير الأمور اتجاه تكريس العدل الاجتماعي و”ما يبقاوش المحتاجين والمظلومين،” …كان يحمل هذا الهم ويكرسه لدى عائلته.