أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مساء الاربعاء تغييرا وزاريا واسعا بعد استقالة وزراء الداخلية والاقتصاد والبيئة في وقت سابق الأربعاء على خلفية فضيحة فساد سياسية ومالية. وتعتبر هذه الفضيحة السياسية ثان تحدي يواجهه أردوغان هذه السنة بعد الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها البلاد الشهور الماضية.
وانفجرت هذه الفضيحة في أعقاب اعتقال الشرطة لأبناء بعض الوزراء متهمة إياهم بالتورط في بيع رخص بناء مؤسسات عمومية. واعتبر أردوغان في البدء أن الاعتقالات مؤامرة تستهدف البلاد بسبب مواقفها السياسية من قضايا دولية ولضرب التطور الاقتصادي. ولكنه في آخر المطاف اعترف بوجود تورط ولهذا جاء التعديل الحكومي.
وبين الوزراء الذين تم استبعادهم خصوصا وزير الشؤون الاوروبية ايغمان باغيس الذي اوردت الصحافة اسمه في هذه القضية التي تهز الحكومة التركية منذ ثمانية أيام.
واستبدل باغيس الذي لم يتعرض حتى الان لاي ملاحقة من جانب القضاء التركي، بالنائب مولود تشاووش اوغلو الذي ينتمي الى حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 2002.
وفي المحصلة، تم استبعاد عشرة وزراء في هذا التغيير بينهم وزراء الداخلية معمر غولر والاقتصاد ظافر تشاغليان والبيئة اردوغان بيرقدار الذين قدموا استقالاتهم في وقت سابق الأربعاء.
وخلف هؤلاء افكان علاء في الداخلية الذي كان مساعد وزير دولة لدى رئيس الوزراء والنائب نهاد زيبكجي في الاقتصاد والنائب ادريس غولوتش في البيئة.
وكما كان متوقعا قبل انفجار هذه الفضيحة، تم ايضا استبعاد وزراء العدل والاسرة والنقل الذين كانوا مرشحين للانتخابات المحلية في اذار/ مارس المقبل.
وبعد ستة اشهر فقط من التظاهرات غير المسبوقة التي تحدت سلطته في حزيران/ يونيو الماضي يجد اردوغان الذي يحكم تركيا بلا شريك منذ 11 عاما، نفسه امام عاصفة سياسية عنيفة.
وكان وزير الاقتصاد ظافر تشاغلايان الذي اتهم ابنه في اطار قضية فساد اول من قدم استقالته الاربعاء. ثم اعقبه وزير الداخلية معمر غولر.
وقد استقطب هذان الوزيران النافذان في حكومة اردوغان كل الانتقادات بعد حبس نجليهما السبت لاتهامهما بالرشوة والتزوير وتبييض الاموال في اطار تحقيق قضائي بشان عمليات بيع ذهب غير مشروعة لايران الخاضعة لحظر دولي.
ووجه الاتهام الى نحو عشرين شخصا آخر في اطار هذه القضية التي تشوه صورة حزب العدالة والتنمية الحاكم في خضم حملة الانتخابات المحلية المقررة في 30 اذار/ مارس 2014.
فبعد ليلة طويلة من الاستجواب في قصر العدل في اسطنبول اودع باريس غولر ابن وزير الداخلية عمر غولر وكنعان تشاغلايان ابن وزير الاقتصاد ظافر تشاغلايان الحبس الاحتياطي صباح السبت تنفيذا لتوصيات المدعين المكلفين بالملف.
واتبع غولر وتشاغلايان الخط نفسه الذي اتبعه رئيس الوزراء منذ بداية الفضيحة ونفيا كليا اي تدخل في التحقيق الجاري منددين ب”مؤامرة” تحاك لزعزعة استقرار الحكومة.
وبعد ساعات اعلن وزير البيئة اردوغان بيرقدار الاربعاء استقالته.
وقد استدعي نجل هذا الوزير ايضا للاستجواب واطلق سراحه في ما بعد وذلك في اطار جانب اخر للتحقيق القضائي الجاري يتعلق هذه المرة باسواق عقارية عامة.
لكن خلافا لسابقيه اثار هذا الوزير، الذي بدا حانقا لخروجه من الحكومة، ضجة بالتاكيد انه “كان يتصرف بعلم تام من رئيس الوزراء” واضاف في تصريح لشبكة “ان تي” الاخبارية “لذلك اعتقد ان على رئيس الوزراء ان يقدم ايضا استقالته”.
وقال رئيس صحيفة (حرييت) دنيز زيرك تعليقا عن الحادث، ان “الدعوة من قبل احد الوزراء لرئيس الوزراء بالاستقالة هو حدث غير مسبوق. هذا احدث صدمة في حزب العدالة والتنمية”.
وكان اردوغان الذي يقود الحكومة التركية منذ عام 2002 والذي عاد الى انقرة مساء الثلاثاء بعد زيارة لباكستان استغرقت يومين اعلن رغبته في مكافحة الفساد بدون ان يتطرق الى موجة الاستقالات.
وندد اردوغان الذي كان يتحدث امام كوادر حزبه العدالة والتنمية ب “مؤامرة واسعة النطاق” لزعزعة استقرار البلاد واقتصادها. وقال “هناك بعد دولي لكل هذه المؤامرة، انها قضية تم تقديمها على شكل عملية قضائية ولكنها في الواقع تهدف الى تقويض مستقبل تركيا”.
وكان اردوغان الذي استقبله الالاف من انصاره في المطار مساء الثلاثاء اكد امام مستقبليه في المطار “عندما يواصلون وضع الافخاخ ( … ) فهذا لن يؤثر علينا، نحن سنواصل طريقنا الذي نعتقد انه الاتجاه الصحيح”.
وندد اردوغان ايضا بالهجوم الذي يتعرض له متهما ضمنيا جمعية الداعية الاسلامي فتح الله غولن باستعمال هذه الفضيحة لضرب التقدم السياسي والاقتصادي لحكومته في السنوات العشر الماضية.
وبعد ان كانت لفترة طويلة تعتبر حليفة حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 2002 اعلنت هذه الجماعة حربا على الحكومة بسبب مشروع الغاء مدارس خاصة تستمد منها قسما من مواردها المالية.
وهذا الانفصال يهدد موقف اردوغان في الانتخابات البلدية التي ستجري في اذار/ مارس المقبل والتي ينبغي ان تكون بمثابة نقطة الانطلاق نحو الرئاسة الصيف المقبل.
ولم يعلن اردوغان حتى الان عن نواياه، ولكن مقيدا بقواعد حزب العدالة والتنمية التي تحتم عليه مغادرة رئاسة الوزراء في الانتخابات التشريعية عام 2015، لم يعد سرا انه يطمح بمنصب رئيس الدولة والذي سيجري انتخابه للمرة الاولى بالاقتراع المباشر.
وتؤثر هذه الازمة على الاسواق المالية حيث واصلت العملة التركية هبوطها الاربعاء لتصل قيمتها الى 2,0907 ليرات للدولار عند الاقفال مقابل 2,0650 الثلاثاء كما سجل المؤشر الرئيسي لبورصة اسطنبول تراجعا بنسبة 4,2% عن الامس.
وفي هذه الاجواء الملبدة اعلنت نيابة انقرة الاربعاء فتح تحقيق بشان اشخاص اخرين متهمين بالفساد بينهم رئيس الشركة العامة للسكك الحديد.