أصدر رئيس الحكومة الإسبانية السابق الجزء الثاني من مذكراته بعنوان “التزام السلطة” ويخصص حيزا هاما للمغرب، حيث يعالج أزمة جزيرة صورة والصيد البحري والعلاقات الشائكة بين محور الرباظ-مدريد-باريس. ويتهم محيط الملك والرئيس الفرنسي جاك شيراك بالتسبب في أزمة جزيرة تورة.
وكانت ألف بوست قد نشرت منذ ثلاثة أسابيع مقالا حول الكتاب اعتمادا على الصحافة الإسبانية، وتعود اليوم الى الكتاب بعد قراءته بعين مغربية واختيار ما يهم المغرب أساسا. ويهدف أثنار من الكتاب إنصاف ذاته في أعقاب الهجمات التي تعرض لها في اسبانيا، كما يوفر رؤية هامة للعلاقات المغربية الإسبانية، وإن كانت بدون توازن بسبب غياب كتابات من طرف مسؤولين مغاربة حول الأحداث التي يعالجها.
والمثير في هذا الكتاب هو أن الفصل الأول يحمل عنوان “اسبانيا القوية في العالم”، وهو عنوان يوحي بالكثير لأنه يختزل هذه القوة في تعزيز العلاقات مع واشنطن وفرض أمر الواقع في نزاع جزيرة ثورة صيف 2002. ويكتب في الصفحة 54 “عندما وصلت الى رئاسة الحكومة، قررت أن تكون أو زيارة الى خارج اسبانيا الى المغرب… لتأكيد أهمية العلاقات الاستثنائية مع الجار الجنوبي ونقل خطاب الاستمرارية في العناصر الأساسية للسياسة الخارجية الإسبانية. لم أكن متأكدا من أن المغرب يرى بعين الارتياح التغيير الحكومي في اسبانيا. كان لدي الانطباع أن ذهاب الاشتراكيين عن السلطة ووصول الحزب الشعبي قد تسبب في شكوك في الرباط…. وشخصيا كنت أرغب في علاقات طبية مع المغرب..وكنت أدرك أن الأمر سوف لن يكون سهلا”.
ويحدد أثنار أربعة مواضيع شائكة في الأجندة، ويكتب “الموضوع الأول هو الصحراء، حيث كانت الدبلوماسية المغربية كلها تسعى الى تغيير موقف اسبانيا، وموقفنا كان هو احترام قرارات الأمم المتحدة بما في ذلك احترام إجراء استفتاء تقرير المصير”، ويضيف “والموضوع الثاني كان هو ملف الصيد البحري الذي تحول الى أداة لضغط المغرب على اسبانيا…والثالث كان أساسا المطلب الأزلي للمغرب باستعادة سبتة ومليلية والجزر، بينما الرباع والموضوع الرابع كان ملف الهجرة السرية، ولم يكن يشكل مشكلة جديدة ولكن اتخذت أبعادا مهمة”.
ويكشف أثنار أن الدبلوماسية الإسبانية إضافة الى هذه الملفات أو المواضيع الأربع، تأخذ دائما بعين الاعتبار عاملين، الأول وهو متانة العلاقات بين الرباط وباريس، ويوحي بأن هذه متانة هذه العلاقات تؤثر على تطوير العلاقات بين الرباط ومدريد. والعامل الثاني اعتبار واشنطن للمغرب حليفا رئيسيا.
ووسط كل هذه العوامل والتطورات كان على أثنار، كما يقول في كتابه، أن يرسم “سياسة خارجية تجاه المغرب تقوم على الاستمرارية ولكن دون تقديم تنازلات”.
ويتحدث أثنار عن علاقته بالملك الحسن الثاني الذي يصفه بالسياسي المحنك والبعيد الرؤية رغم لااختلافات حول سبتة ومليلية المحتلتين.
رؤية أثنار لحقبة العلاقات مع الملك محمد السادس
لم يخصص أثنار حيزا كبيرا للعلاقات مع الملك الحسن الثاني لأن ما بين وصول أثنار الى رئاسة الحكومة أبريل 1996 الى غاية وفاة الحسن الثاني في يوليوز 1999 لم تشهد العلاقات هزة تذكر باستثناء الاختلاف على معالجة ملف الهجرة السرية. وفي المقابل يخصص للملك محمد السادس حيزا مهما بحكم أن فترة حكمه أثنار التي امتدت حتى 2004 شهدت أزمات منها أزمة جزيرة ثورة.
ويبدو من خلال قراءة الكتاب أن أثنار لا يمتلك صورة إيجابية عن الملك محمد السادس، ويستيعد فصلا من المواجهة وقعت بين الطرفين عندما كان الملك وليا للعهد. ويكتب في الصفحة 56 “في شهر مايو 1997، جاء ولي العهد الأمير محمد الى اسبانيا في زيارة رسمية، حيث زار قرطبة وزار مدريد وأقمت له حفل غذاء في قصر رئاسة الحكومة مع أعلى مستوى البروتوكول. وقبل مجيئ باقي المدعوين، عقدنا اجتماعا نحن الاثنان في مكتبي، ولم تكن المحادثة سهلة، فقد طرح علي الأمير ضرورة تغيير اسبانيا لموقفها من الصحراء، فقد كان قلقا. فاستمرار مشروع التسوية والتحركات التي كان يقوم بها جيمس بيكر كممثل شخصي للأمين العام للأمم المتحدة جعلته يخاف على مستقبل الصحراء. وشرحت له أن اسبانيا ستستمر في تبني موقفها من الصحراء”.
ويضيف أثنار في الصفحة 57 “وهذا أدى الى عتاب آخر بسبب رفضي معالجة مغربية سبتة ومليلية. جوابي لم يعجب الأمير، وهذا فاجأني، تيقنت أن المغرب لم يقيم جيدا نوايا وأهداف الحكومة الإسبانية الجديدة. ولم يكن هذا الخطئ الوحيد في حساباته السياسية نحونا”.
ويصف أثنار اللحظات التي كان الملك الجديد محمد السادس ونظيره الإسباني خوان كارلوس يبكيان فيها بمناسبة موت الحسن الثاني، ويكتب “الملك خوان كارلوس استعاد علاقاته المتينة مع الحسن الثاني والذي كان يناديه بالأخ الأكبر، وقال بعطف لمحمد السادس الآن أنا هو الأخ الأكبر. هذه الجملة كانت تعبر عن عطف حقيقي، ولكن كنت أعتقد دائما إذا كانت العلاقات العائلية هي التي تؤثر على العلاقات الخارجية للمغرب، فالأخ الكبر الحقيقي كان هو جاك شيراك. هذا الأخير كان يتحدث لي في الكثير من المناسبات عن العلاقة الجيدة التي تجمعه بالملك محمد السادس وكيف كان يحمله عندما كان صغيرا ويلعب معه”.
أثنار: المغرب يتحالف مع فرنسا ضد مصالح اسبانيا
وفي فقرة أخرى من الكتاب في الصفحة 59 يكتب أثنار “مع رحيل الملك الحسن الثاني وتولي العرش محمد السادس ستبدأ صفحة جديدة في السياسة الخارجية للمغرب تجاه اسبانيا. المغرب سيتحالف مع فرنسا ضد مصالح اسبانيا”. في الصفحة نفسها يتهم أثنار الرئيس الفرنسي وقتها جاك شيراك بالإيحاء للمغرب بعدم تجديد اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي والتي يستفيد منها أسطول الصيد البحري الإسباني خصوصا. ويتهم أثنار المغرب بالضغط على اسبانيا في ملف سبتة ومليلية بإيحاء كذلك من جاك شيراك في محاولة لجعل اسبانيا تغير موقفها من الصحراء.
ويكتب فقرة مثيرة “أتذكر في اجتماع جمعني بشيراك بمناسبة رئاسة اسبانيا للاتحاد الأوروبي قال لي شيراك “تتعامل مع الملك محمد السادس أسوأ من الطريقة التي يتعامل بها أرييل شارون مع الفلسطينيين”. وكان قول شيراك باطلا والاتهام ناتج عن الأبوية، وككل أبوية، يكون الخاسر دائما هو الابن” في إشارة الى المغرب على أساس أنه الخاسر.
ويتطرق أثنار في الصفحات ما بين 65 الى 70 الى أزمة جزيرة ثورة التي انفجرت بين البلدين صيف 2002، وجاء في مذكراته في الصفحة 65 “من الصعب معرفة السبب الذي دفع محمد السادس الى ارتكاب خطئ استراتيجي من نوعية احتلال جزيرة ثورة. بدون شك، التأييد الذي كان يلاقيه من فرنسا، ولكن كذلك بعض الأوساط الصحفية والسياسية الإسبانية”.
ويسرد أثنار الإجراءات التي قام بها مباشرة بعد دخول قوات الدرك الملكي المغرب الى جزيرة ثورة وهي: الاتصال بملك اسبانيا وإخباره بالتطورات ثم يكتب “قمت بالاتصال برئيس الحكومة المغربية عبد الرحمان اليوسفي الذي كنت أعرفه جيدا…عندما اتصلت باليوسفي استفسره حول ماذا يفعل أفراد من الدرك الملكي في جزيرة ثورة أجابني أنه لا يعلم شيئا وسيطلع على الأمر…وطلبت منه أن يتم حل هذا المشكل في 24 ساعة المقبلة”. ويؤكد أثنار أن عدم اطلاع اليوسفي على الأمر أكد تحليلات اسبانيا بأن الملك وبدعم من فرنسا يقفان وراء هذا الموضوع.
ويؤكد أثنار أنه اتصل بجميع قادة الحلف الأطلسي الذين أكدوا له الدعم المطلق باستثناء الرئيس الفرنسي جاك شيراك. وبعدها يحكي كيف أنه بدأ الاعداد لعملية عسكرية لإخلاء الجزيرة من التواجد العسكري المغربي. ويحمّل المغرب مسؤولية تدهور الأوضاع التي أدت الى التدخل العسكري لأنه تماطل في الردود كما تعامل باستخفاف مع الأمر. وفي الصفحة 69 يكتب “لم نكن نبحث من خلال التدخل العسكري عن إذلال المغرب بل فقط الدفاع عن اسبانيا وإرسال رسالة واضحة أن الحكومة لن تقبل احتلال أي أراض بما في ذلك جزيرة صخرية صغيرة وغير مأهولة. التخلي عن جزيرة ثورة كان الخطوة الأولى نحو مسيرة التخلي عن سبتة ومليلية والجزر”.
أثنار يجهل أسباب اندلاع أزمة ثورة ويحمل المسؤولية لمحيط الملك وشيراك
ويعترف أثنار أنه حتى يومنا هذا لا يعرف الأسباب الحقيقية التي تقف وراء قرار محمد السادس إرسال افراد من الدرك الملكي الى جزيرة ثورة، وبهذا يستمر الغموض حول هذه النقطة لاسيما في ظل صمت المؤسسات الرسمية المغربية. ولكنه لا يتردد في اتهام فرنسا ومحيط الملك، حيث يصف هذا المحيط بالمغامر وفاقد التجربة.
وفي الصفحة 71 يكشف أثنار عن رفضه مقترحا فرنسا بشأن احتضان باريس لقاءا مغربيا-اسبانيا للمصالحة، ويؤكد أن باريس كانت قلقة لأنها لم تكن تريد اتفراد الولايات المتحدة بالإشراف على مصالحة بين مدريد والرباط في غيابها. وفي الصفحة نفسها، يكتب أن شيراك ارسل له في شهر غشت 2002 وزير الداخلية وقتها نيكولا ساركوزي الذي كان يحب اسبانيا لينقل لي رسالة من شيراك “شيراك طلب من ساركوزي زيارتي وإبلاغي أن ملف جزيرة ثورة كان خطئا ويتأسف أنه ألحق ضررا بالعلاقات الفرنسية-الإسبانية ويتمنى تجاوز كل الخلافات”.