بعد التجنيد الإجباري المغرب يحتاج للتجنيد الشامل لتفادي الأسوأ /د. حسين مجدوبي

الملك محمد السادس

قررت الدولة المغربية خلال الأسبوع الماضي، إعادة العمل بالخدمة العسكرية بعد سنوات من إلغائها. ويثير القرار وسط المجتمع المغربي اختلافا في التقييم بين فكر المؤامرة لأسباب سياسية واعتبارها عملا منطقيا لصالح الوطن. لكن على ضوء الأوضاع المعاشة في المغرب، نطرح التساؤل الذي يردده الجميع: لماذا لا تتجند الدولة المغربية، بروح إجبارية لتقديم خدمة حقيقية للشعب المغربي، الذي يعاني من الخصاص في قطاعات متعددة، مثل الصحة والتعليم، التي تحدث عنها مجددا الملك محمد السادس الأسبوع الماضي.
وبعيدا عن البيان الرسمي الحكومي الذي يتحدث عن الوطنية وروح المواطنة وعبارات كلاسيكية أخرى، تتميز بها الدول التي لا تنهج ديمقراطية حقيقية وتلعب عادة على وتر الإحساس الوطني عند كل أزمة، يمكن رصد العوامل التي نعتبرها أقرب الى الواقع وتغيب عن البيان الرسمي، التي تقف وراء إعادة العمل بالخدمة العسكرية الإجبارية، ونذكر منها:
– يعاني الجيش المغربي من غياب وفرة مرشحين كافيين لاختيار الجنود، بل حتى الضباط، لتدعيم بناء جيش احترافي. وقد دخل الجيش المغربي مرحلة الاحتراف خلال السنوات الأخيرة، حيث تستوجب عملية تطوير العتاد العسكري الذي ينهجها، الحاجة الى جنود لهم تكوين علمي وثقافي مقبول على الأقل، الأمر الذي لا يتوفر في كل المرشحين الذين يتقدمون للجيش، بحكم قدوم نسبة مهمة منهم من الأرياف أو من التعليم الثانوي. وهذه الظاهرة لا تقتصر فقط على المغرب، بل هي ظاهرة دولية، خاصة في دول أوروبا، حيث يرفض الشباب العمل في الجيش. وهكذا، سيساعد التجنيد الإجباري المؤسسة العسكرية المغربية على اختيار مريح للجنود، الذين سيلتحقون بها لتحقيق القفزة المنتظرة إلى جيش محترف، أكثر استعدادا لمواجهة التحديات الاقليمية المتسارعة، التي تقلق، ليس فقط المغرب، بل مختلف جيوش العالم.
في الوقت ذاته، ستوفر الخدمة العسكرية مسبقا العناصر الكافية والمناسبة لباقي الأجهزة مثل، الشرطة والدرك والقوات المسلحة والاستخبارات، لاختيار العناصر عند مباريات الولوج إلى هذه المهن، ذلك أن مجندا قضى سنة في الخدمة العسكرية الإجبارية سيكون مؤهلا جسمانيا ونفسانيا، ومن حيث الانضباط أكثر من المرشح العادي الذي لم يخضع للخدمة الإجبارية.
– وفي سبب آخر، ستعمل الدولة المغربية عبر التجنيد الإجباري على سد الفراغ المهول في الأطر، وذلك بحكم الخصاص الكبير الذي تعاني منه البلاد في كل القطاعات الحيوية الاجتماعية، مثل الصحة وهو ما جعلها تحتل المركز 129 في التنمية البشرية في تقرير الأمم المتحدة. في هذا الصدد، يتضمن قانون التجنيد الإجباري استدعاء الأشخاص الذين لم يتجاوزوا السن 40 لأداء الخدمة العسكرية، إذا لم يكونوا قد أدوها في الماضي. وفي فقرة أخرى مهمة من البيان الرسمي تقول «يمكن للمؤسسة العسكرية الترخيص للمجندين الذين يتوفرون على مؤهلات تقنية أو مهنية، بعد استكمال التكوين الأساسي المشترك الذي تحكمه مقتضيات المادتين 37 و38 من نظام الانضباط العام في حظيرة القوات المسلحة، القيام بمهام محددة داخل الإدارات العمومية، بإذن من السلطة العسكرية، التي تحدد الشروط والمدة، وفق المادة 7. وعليه، ستحاول الدولة عبر التجنيد الإجباري عبر هذا البند توفير الأطر في شتى القطاعات للعمل في المرافق التي تعاني من خصاص مهول، خاصة المجال القروي. وعليه، سيكون الطبيب والمهندس ومهنيون آخرون مجبرين على تقديم خدمات في قطاعات معنية، عبر التجنيد الإجباري. وكان هذا النوع من العمل مدمج في المغرب سابقا ضمن الخدمة المدنية، التي بدورها جرى إلغاؤها، والآن ستدمج بطريقة أو أخرى في التجنيد الإجباري.
ويخلف القرار جدلا سياسيا واجتماعيا، فقد بادرت أصوات شبابية إلى التشكيك في إعادة العمل بالتجنيد الإجباري، وتساءلت حول مراميه الحقيقية، ومالت إلى فكرة المؤامرة وهي: محاولة الدولة تجنيد الشباب/ناشطي المجتمع المدني في محاولة منها للحد من الاحتجاجات وتأطير الشارع بعد الحراك الشعبي في الريف وجرادة ومناطق أخرى من البلاد. ويستشهد أصحاب هذا التيار بفرض الدولة المغربية التجنيد الإجباري سنة 1966، سنة واحدة بعد أكبر الانتفاضات الاجتماعية في تاريخ المغرب (مارس/آذار 1965)، حيث جرى تجنيد ناشطي الحركة الطلابية «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» للحد من تأثيرهم في الجامعات والمجتمع المغربي.
وبغض النظر عن أهداف عودة التجنيد الإجباري في المغرب، وعلى ضوء مؤشرات التنمية المقلقة، التي عاد الملك محد السادس الى الحديث عنها في خطاب «ثورة الملك والشعب» يوم 20 أغسطس/آب الجاري، لا يحتاج المغرب فقط الى التجنيد الإجباري، بل الى صحوة ضمير كل المؤسسات ابتداء، من المؤسسة الملكية ومرورا بالمؤسسة الحزبية وانتهاء بجمعيات المجتمع المدني، وكذلك المواطن المغربي. وكان الملك الراحل الحسن الثاني قد صرح في أواسط التسعينيات بأن المغرب على قاب قوسين من «أزمة قلبية»، ودعا الى التجنيد الشامل. وكان من ثمار عملية دق ناقوس الخطر حينئذ تعديل الدستور، وتشكيل حكومة التناوب السياسي التي أتت بالمعارضة إلى الحكم بزعامة عبد الرحمن اليوسفي. عملية سياسية أعادت الاعتبار للفعل السياسي في البلاد، وإن كانت النتائج بقيت محدودة نسبيا.
وبالتالي، هل سيشهد المغرب إلى جانب التجنيد الإجباري، مبادرة نوعية ولكنها إجبارية للدولة والشعب لمواجهة الانهيار الصامت الذي تعيشه البلاد ويؤدي الى تراجع الوطن والأمة المغربية؟

Sign In

Reset Your Password