انسحاب ترامب من الاتفاق النووي يؤدي إلى تمرد أوروبا على واشنطن وتصدع الغرب/ حسين مجدوبي

قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الأسبوع الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع بين إيران والقوى الست وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. ويتسبب القرار في هزة دبلوماسية عالمية وما قد يحمله من انعكاسات التوتر خاصة في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة حربا وتطرفا دينيا. ومن ضمن هذه النتائج المسجلة بداية تفكير أوروبا في استقلالية قرارها السياسي والعسكري عن واشنطن لاسيما بعدما وصل الأمر بالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى القول بجرأة «ترامب ينتهك القانون الدولي».
وكانت القوى الست وإيران قد وقعت مبدئيا في بداية نيسان/ابريل 2015 على الاتفاق النووي الذي بموجبه يسمح لطهران الاستمرار في التخصيب لأهداف مدنية محضة مقابل تجميد أي مشروع نووي عسكري. وجرى الترحيب وقتها بالاتفاق، واعتبر الكثير من المراقبين الاتفاق بداية صفحة جديدة في العلاقات الدولية ونموذجا صالحا للمستقبل للسيطرة على انتشار السلاح النووي.
ومنذ التوقيع على نسخة الاتفاق النهائي خلال حزيران/يونيو 2015 استبشر العالم بنوع من الاستقرار في العلاقات الدولية، فقد شكل الاتفاق صفحة جديدة في الحوار بين إيران والمنتظم الدولي وكذلك بين الصين وروسيا مع الغرب. لكن ترامب الذي وصل إلى رئاسة الولايات المتحدة عبر برنامج يركز على الشؤون الداخلية قام بتطبيق تعهداته في السياسة الخارجية ليحدث شرخا وسط الغرب أساسا ومع باقي العالم.
ويعتبر قرار الانسحاب من الاتفاق النووي ضربة قوية للتحالف الغربي أو العلاقات الأطلسية وأساسا بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ويضاف إلى ضربة أخرى عندما قرر ترامب بمفرده نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس رغم المعارضة الشديدة من طرف الأوروبيين وباقي العالم.
وأعربت القوى الأوروبية الكبرى وهي باريس وبرلين ولندن عن رفض تام لقرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي وتهديده بالعقوبات الاقتصادية ضد إيران التي ستجبر الشركات الأوروبية على الانسحاب من إيران. ويعتبر قرار ترامب تهديدا حقيقيا للعلاقات بين ضفتي الأطلسي أو النواة الصلبة لتكتل الغرب، كما ذهبت في ذلك افتتاحية جريدة «الباييس» الإسبانية في عدد الجمعة 11 أيار/مايو الجاري، وهي من الصحف الأكثر دفاعا عن وحدة الغرب. بينما كتبت جريدة «لوموند» في افتتاحيتها في عدد الجمعة «قرار تراب غامض ولكن بانعكاسات تضرب الاستقرار».

أسباب القلق الأوروبي

وتعتبر مواقف الدول الأوروبية وخاصة الأربع الكبار وهي فرنسا وبريطانيا والمانيا وإيطاليا في مواجهة ترامب تمردا على «بيغ براذر» الأمريكي، ويعود هذا إلى عدد الأسباب ذات البعد الاستراتيجي:
في المقام الأول، تعتبر دول الاتحاد الأوروبي قرار ترامب بمثابة تغذية للتوتر في الشرق الأوسط، وهو التوتر الذي ينعكس سلبا على مصالح دول الاتحاد الأوروبي التي تبقى في مواجهة الكوارث الإنسانية مثل الهجرة والنزوح والتطرف. وقد تسببت واشنطن في حرب العراق الثانية سنة 2003 بناء على قرار خاطئ بامتلاك العراق أسلحة نووية، وبينما توجد الولايات المتحدة بعيدة جغرافيا عن الشرق الأوسط، تعاني الدول الأوروبية من الآثار السلبية مثل الإرهاب الذي ضربها في عقر دارها كما جرى في باريس وبروكسيل ومن هجرة الملايين النازحين إلى دولها خاصة بعد الأزمة السورية.
في المقام الثاني، تعتبر الدول الأوروبية قرار واشنطن من الانسحاب من الاتفاق النووي هو مزيد من إفساح المجال لتعزيز روسيا والصين لنفوذهما في العلاقات الدولية ولاسيما في الشرق الأوسط والضغط على أوروبا للحصول على تنازلات نظرا لارتباط أمن أوروبا بالشرق الأوسط. فقد ترتب عن تردد سياسة واشنطن تجاه الملف السوري انخراط موسكو بقوة في فرض واقع بدأ يجعل هذا الملف يقترب من الحل وفق مصالح روسيا وليس مصالح الغرب ومنها أوروبا. وكانت روسيا قد ضغطت على أوروبا في أزمة جزيرة القرم بالتحكم في الغاز الذي تصدره لها ومن خلال مناورات عسكرية مستفزة «زاباد».
في المقام الثالث، تعتبر إيران دولة في حاجة ماسة إلى الكثير من إعادة البنيات التحتية بسبب الحصار الذي فرض عليها في السابق. وقد وقعت شركات أوروبية عشرات الاتفاقيات وبعشرات المليارات من الدولارات في مجال اقتناء الطائرات المدنية والتصنيع المشترك للسيارات ضمن أشياء أخرى. ونظرا لتعامل الشركات الأوروبية مع الولايات المتحدة تجد نفسها مجبرة على الانسحاب من السوق الإيرانية حتى لا تخسر السوق الأمريكية الضخمة. ومن ضمن الأمثلة، فصادرات المانيا مثلا إلى السوق الإيرانية وصلت ثلاثة مليارات دولار السنة الماضية بينما نحو الولايات المتحدة 111 مليار دولار. لقد استفز ترامب الأوروبيين بالتلويح بالعقوبات ضد الشركات الأوروبية التي ستستثمر في إيران أو تبيعها منتوجات ومنها أيرباص التي وقعت عقدا لبيع طهران مئة طائرة نقل مدني بقيمة 19 مليار يورو. وقال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير على هذا الوضع الشاذ «إنه لأمر مرفوض أن تتحول الولايات المتحدة إلى دركي اقتصادي للعالم».
ولا يمكن اعتبار قرار ترامب مفاجئا حول إيران، فقد اتخذ قرارات سابقة وكانت متطرفة دبلوماسيا. فقد انسحب السنة الماضية من الاتفاق المتعلق بالتغيرات المناخية ضاربا عرض الحائط سنوات من التفاوض بين المنتظم الدولي. وقام هذه السنة بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وتسبب في كلتا الحالتين في هزة دبلوماسية دولية.
وكان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند قد نصح الأوروبيين بأن العلاقات التي تبدو حميمية بين ترامب وبعض زعماء أوروبا وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا تصمد أمام قرارات الرئيس الأمريكي الذي لديه مفاهيم خاصة في رؤيته للعلاقات الدولية تقوم على القوة.
توجد أوروبا وخاصة الغربية منها في موقف حرج، فهي تدرك التصدع الذي يصيب العلاقات الأطلسية، وتنتقد باريس ولندن قرار ترامب، لكن ألمانيا هي التي تتزعم حركة التمرد الواضح ضد واشنطن. وتعطي ميركل تصريحات قوية ونارية تجعل من ترامب مارقا سياسيا ضد المنتظم الدولي.
في هذا الصدد، قالت في مدينة مونستر شمال غرب ألمانيا إن قرار ترامب إلغاء الاتفاق النووي مع طهران يخرق الثقة بالنظام العالمي، مضيفة «لم يكن صحيحا أن يتم إلغاء اتفاق تمت المصادقة عليه من قبل مجلس الأمن الدولي». مضيفة إن الاتفاق النووي مع إيران «بعيدا عن المثالية» بالطبع، مضيفة في المقابل أنه «ليس من السليم إلغاء مثل هذا الاتفاق على نحو منفرد». وقالت أنه لا يمكن الثقة في الولايات المتحدة لحماية أوروبا، وهو تصريح يدل على ضرورة البحث عن بديل وشريك استراتيجي.
لقد توصل الأوروبيون إلى قناعة مفادها دخول السياسة الأمريكية مرحلة جديدة وهي التركيز على الداخل وتوظيف السياسة الدولية للحصول على تعاطف الناخب الأمريكي. ولهذا، فقرار ترامب هو بداية تصدع كتلة الغرب، وقد يوقف رئيس جديد هذا النزيف أم سيعمقه ترامب إذا فاز في الانتخابات المقبلة.حسي

Sign In

Reset Your Password