ستظل سنة 2015 محطة بارزة في تاريخ الجزائر المعاصر. وستبقى نقطة تحول على مشهد لم تتضح معالمه بعد. سنة الصراعات على كل الجبهات، وسنة الأزمات المتعددة الصور والأشكال، وسنة فتح الأبواب على مصير غامض ومجهول.
يعتقد الكثير من المراقبين للمشهد السياسي في الجزائر أن سنة 2015 نقطة نهاية وفتح لصفحة جديدة لم يتضح بعد بماذا سيتم تسويدها. فالصراع الذي كان قد اندلع، ورفض أن يؤمن به الكثيرون، سنة 2013، وبالتحديد لما كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يعالج من الجلطة الدماغية بمستشفى فال دوغراس الفرنسي، استمرت تداعياته وهزاته الارتدادية خلال أكثر من سنتين، ولم تظهر نتائجه إلا في خريف 2015، عندما كان الجزائريون يستعدون لتوديع هذه السنة التي لم تحمل لهم سوى المزيد من الخيبة والقلق على مستقبل البلاد.
الصراع الذي كان قد اندلع حول الولاية الرئاسية الرابعة للرئيس بوتفليقة، كان قد بدأ في الوقت الذي أصيب فيه الرئيس بجلطة دماغية في أبريل/ نيسان 2013، استدعت نقله إلى مستشفى فال دوغراس العسكري الفرنسي، في الوقت الذي كان فيه الرئيس يعالج من الجلطة، كان الكلام الدائر في العاصمة الجزائرية بخصوص مدى إمكانية تطبيق المادة 88 من الدستور، التي تتحدث عن كيفية معالجة حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، وهو الأمر الذي لم يتم، لأسباب تبقى مجهولة.
لكن «اصحاب القرار» رأوا أن يعطوا الرئيس المريض فرصة ليتعافى، في الوقت نفسه تسارعت وتيرة التحقيقات في ملف الفساد، وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس غائباً أعلن النائب العام بمجلس قضاء الجزائر العاصمة، عن صدور مذكرة توقيف ضد شكيب خليل وزير الطاقة السابق، وأحد المقربين من الرئيس، وكذا ضد زوجته وابنيه، وهو إعلان كان بمثابة قنبلة سياسية.
عودة الرئيس في أغسطس/آب 2013 إلى أرض الوطن على كرسي متحرك، أعطت الانطباع أن الأمور حسمت، ولكن القرارات التي بدأت في الصدور بعد ذلك بأيام، أعطت انطباعاً آخر، وهو أن الفريق الرئاسي عاد لينتقم من الذين راهنوا على انتهائه وسارعوا لدفنه قبل الأوان، وكان أول قرار هو حل الشرطة القضائية في جهاز المخابرات التي قامت بالتحقيقات في الفساد، وكذا إقالة مسؤول مديرية الصحافة في الجهاز نفسه، ثم حل المديرية نفسها بشكل نهائي، وتلى ذلك مجموعة من القرارات والتغييرات التي تصب في خانة واحدة، وهي إضعاف جهاز المخابرات وقائده الفريق محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق صانع الرؤساء والحكومات ومهندس النظام منذ 1990، خاصة بعد أن أعلن زعيم حزب الأغلبية عمار سعداني الحرب على توفيق، مؤكدا على أنه ضد الولاية الرابعة، وأنه وراء قضايا الفساد التي مست رجال الرئيس.
سنة 2015 كانت سنة استكمال الفصل الأخير من الصراع، لأنه في الوقت الذي كان فيه فصل الصيف يجر آخر أيامه ولفحات شمسه، بدأ حديث في الكواليس عن اقتراب ساعة الحسم، وعن أن أحد الفريقين يتجه لحسم هذه المعركة التي دامت أكثر من سنتين بالضربة القاضية، بعد أن استحــــال حســمها باحتساب النقاط.
وفي خطوة أولى غير متوقعة تم تداول معلومات عن اعتقال الجنرال حسان المعروف باسم عبد القادر آيت وعرابي، المسؤول السابق عن وحدة مكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات، والذي يعتبر أحد المقربين من الجنرال توفيق، حسان الذي كان قد أحيل إلى التقاعد وأبعد من منصبه في 2013، ظل اسمه يتردد في الكواليس بشأن قضية عملية استرجاع أسلحة من جماعة إرهابية، دون أن تكون القيادة العسكرية على علم بذلك، ورغم أن كلاما تم تداوله عن استدعائه منذ سنتين لسماعه في هذه القضية، إلا أن القضية خمدت، ولكن مؤقتاً، إذ تم إخراجها من الأدراج مجددا، واعتقل حسان وحوكم وأدين بخمس سنوات سجناً في محاكمة دامت يوما واحدا.
بعد أيام قليلة على اعتقال حسان، وقبل محاكمته بأسابيع انفجرت أكبر قنبلة سياسية في ربع القرن الأخير، واستفاق الجزائريون على خبر إقالة الفريق محمد مدين قائد جهاز المخابرات من منصبه، الجنرال توفيق ومساره الذي دام قرابة 25 سنة على رأس جهاز المخابرات القوى اختصر في بيان للرئاسة يقول إن الرئيس قرر إنهاء مهامه وإرساله إلى التقاعد، خبر لم يصدقه الكثيرون بسهولة، وظن آخرون أن القيامة ستقوم بعد الإعلان عنه، لكن تبين أن الصراع الذي دام أكثر من سنتين، وعملية الاستنزاف التي تعرض لها الجنرال القوي، إضافة إلى عوامل أخرى غير معلنة، جعلته صيدا ثمينا لمن كان يخطط للتخلص منه منذ فترة طويلة، ليجد نفسه في البيت بقرار جمهوري، والأكثر من ذلك سقطت مع القرار أسطورة الجنرال توفيق، الرجل الذي كان ذكر اسمه كفيلاً بأن يأخذ صاحبه إلى السجن، ولو كان ذلك للثناء عليه، الشبح الذي لم تكن صورته معروفة ولا شكله معلوما، تسابقت وسائل الإعلام في وقت أول لنشر صوره وفيديوهاته في وقت أول، قبل أن تشهر بعضها السيوف وتذبحه بعد أسابيع من تنحيته، عندما وجه رسالة مفتوحة بشأن الحكم الصادر ضد زميله السابق ومساعده الجنرال حسان، توفيق يكون قد اكتشف أنه صنع من تحولوا اليوم إلى جلاديه بعد أن كانوا بالأمس القريب يتمسحون في أصغر «مخبر» يعمل في الجهاز الرهيب الذي كان يشرف عليه.
الصراعات السياسية وحروب القصر ومعارك الخلافة ليست وحدها من يدفع بالجزائريين إلى القلق، بل هي الأزمة الاقتصادية والمالية التي بدأت انعكاساتها تظهر وتؤلم جيوب المواطن، فسعر برميل النفط انهار إلى ما تحت ال 35 دولاراً، ومداخيل البلاد تراجعت بأكثر من النصف، والحكومة اضطرت إلى رفع الضرائب والأسعار واللجوء إلى جيب المواطن من أجل التقليل ولو بنسبة بسيطة من آثار هذه الأزمة، لكن المؤشرات توحي بأن هذه مجرد بداية وأن الحكومة ستلجأ مجددا إلى رفع الضرائب والجباية وإلى الزيادة في الأسعار، وإلى إلغاء الدعم أو تقليصه على المواد الاستهلاكية، لتغامر بمشهد درامي ينفجر فيه الشارع وتنفتح فيه الأبواب على مصير مجهول، خاصة وأن الحكومة الحالية أثبتت أنها لا تمتلك أي مخطط جدي للخروج من أزمة انهيار أسعار النفط، التي وضعت حدا لشهر عسل استمر أكثر من 15 سنة!