استراتيجية بوتين: عرض حمائي للحلفاء بمن فيهم العرب وأسلحة مرعبة وانتشار عسكري عالمي/د. حسين مجدوبي

صورة للرئيس الروسي فلادمير بوتين في شاشة المجلس الفيدرالي يوم 1 مارس 2018 مستعرضا استراتيجيته

تعتبر عودة روسيا إلى الساحة الدولية عبر بوابتي جزيرة القرم وسوريا تدشينا لحرب باردة جديدة بين هذا البلد بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين والغرب بزعامة الولايات المتحدة، ويوجد العالم العربي في قلب هذا التطور الجديد الذي يهدد بإضفاء موجة طويلة من التوتر والاحتقان في العلاقات الدولية إلى مستويات وقوع حروب بالوكالة أو وقوع حرب مباشرة بين القوى الكبرى، وإن كانت هذه الأخيرة مستبعدة جدا.
وهذه الحرب الباردة التي هي في حلقاتها الأولى مرشحة للاستمرار بسبب رغبة روسيا في ظل قيادة بوتين استعادة دورها كقوة موازية للولايات المتحدة، ولن تدعها للانفراد باتخاذ القرار في القضايا الدولية. ويمكن رصد استراتيجية روسيا على مستويات متعددة وأساسا الجانب العسكري ثم الجانب السياسي – الدبلوماسي.
وعلاقة بالجانب السياسي، فقد بلورت روسيا استراتيجية جديدة في رؤيتها للتحالفات في العالم وخاصة الدول التي ترغب في الاقتراب من الكرملين. في هذا الصدد، ألقى بوتين يوم فاتح اذار/مارس الجاري أمام المجلس الفدرالي، خطابا تاريخيا لم تعطه وسائل الإعلام الدولية الأهمية الكافية، لكنه استرعى انتباه دول العالم وصناع القرار الدولي. ومن أبرز ما قاله بوتين في ذلك اللقاء «ومن واجبي القول إن استعمال السلاح النووي ضد روسيا أو حلفائها، سواء القصيرة أو المتوسطة أو أي مدى، سيتم اعتباره هجوما نوويا ضد هذا البلد (روسيا). وسيكون الرد مباشرة بغض النظر عن النتائج التي ستترتب عنه». كما قال في الخطاب نفسه بنبرة التأكيد والعزم على هذه الاستراتيجية التي سوف لن تبقى فقط مقتصرة على التعرض لهجوم بالسلاح النووي بل حتى بالسلاح الكلاسيكي، مشددا على الرد في حالة تعرض دولة حليفة إلى هجوم يهدد كيانها.
وتعتبر استراتيجية بوتين هذه بمثابة تعويض عن حلف وارسو بعدما اقتنعت روسيا باستحالة بناء حلف على شاكلة وارسو في الوقت الراهن، وبالتالي تقوم بنوع من العرض السياسي – العسكري- الحمائي للدول التي ستقترب من الكرملين وتصبح حليفة مستقبلا علاوة على الحلفاء الحاليين.
وهذا العرض الجيوسياسي الروسي يتزامن والانتقادات التي تتعرض لها الولايات المتحدة بتخليها عن حلفائها السابقين وتغليب الانغلاق على الذات بعد وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة ثم تغيير الوجهة نحو منطقة المحيط الهادي. ومن العناوين البارزة لنجاح بوتين في سياسته هذه هو رهان اقتراب تركيا من روسيا وبدء ابتعادها عن الغرب رغم عضويتها في منظمة شمال الحلف الأطلسي.
وفي الجانب العسكري، الذي يعتبر منصة لكل توجه جيوسياسي وطموحات روسيا للتحول إلى قوة تقف ندا للند في وجه الولايات المتحدة، تستعرض روسيا قدرتها العسكرية على مستويات متعددة أبرزها: استعمال أسلحة متطورة في النزاعات وخاصة في سوريا بعدما جربت صواريخ ذات قدرة هائلة على ضرب الأهداف مثل «كاليبر» من عرض البحر، واستعمال مختلف الطائرات المقاتلة ومنها سوخوي 57 التي تعتبر من الجيل الخامس التي تعادل أو تتفوق على ف 35 الأمريكية.
وفي معطى آخر، لم تبخل روسيا في تسليح بعض الدول بأسلحة متطورة للغاية ومنها عقد صفقات لبيع النظام المضاد للطائرات والصواريخ إس 400 الأكثر تطورا في العالم إلى دول يفترض أنها عدوة مثل تركيا الدولة العضو في الحلف الأطلسي. وعندما تبيع روسيا أسلحة متطورة لبعض الدول فهي من جهة تجعل هذه الدول تشعر بالثقة العسكرية في النفس نظرا لقدرة أسلحة مثل إس 400 على مواجهة الاعتداءات الخارجية جوا، ومن جهة أخرى، تحرم الولايات المتحدة من التأثير. وأشار الجنرال جوزيف فوتيلر رئيس القيادة العسكرية الوسطى إلى سياسة روسيا لاستقطاب الدول، بما فيها حلفاء واشنطن، الراغبة في البحث عن بديل للسلاح الأمريكي، واعترف بخطورة الأمر إذا لم تبادر واشنطن بنهج سياسة بيع الأسلحة المتطورة إلى الحلفاء والدول الصديقة.
وعلاوة على هذا، قام بوتين خلال هذا الشهر بتقديم مجموعة من الأسلحة المتطورة للغاية لمواجهة الغرب في حالة وقوع حروب. ومن أبرز ما قدمه يوم فاتح اذار/مارس الجاري مجموعة من الصواريخ البالستية، مثل سارمات البالستي وصاروخ كينجال الاستراتيجي وصاروخ أفانغارد من النوع نفسه، وكلها فائقة السرعة مرات عديدة سرعة الصوت. وتتجلى قوة هذه الصواريخ وأساسا سارمات في عدم وجود أنظمة دفاع غربية قادرة على اعتراض هذه الصواريخ بما فيها نظام الدرع الصاروخي الأمريكي.
ومن أبرز مظاهر التحدي العسكري الروسي للغرب هو ما يلي: في المقام الأول، الانخراط في الحرب السورية بالوقوف إلى جانب دمشق لمنع الولايات المتحدة وباقي حلفائها من الدول الغربية مثل بريطانيا وفرنسا وشركائها مثل العربية السعودية والإمارات من تطبيق مخططهم القاضي بتغيير نظام بشار الأسد. ونجحت في هذا المسعى إلى حد كبير، حيث يمكن اعتبار التدخل في سوريا هو عودة روسيا إلى صناعة القرار في العلاقات الدولية. في الوقت نفسه، تسليح الجزائر بأسلحة متطورة من نوع إس 400 وصواريخ إكسندر لتفادي تدخل الغرب في هذا البلد بعدما ارتفعت الأطروحات التي كانت تتحدث عن انهيار الجزائر أمنيا واقتصاديا وسياسيا.
وفي المقام الثاني هو إعادة انتشار القوات العسكرية الروسية في مناطق من العالم وخاصة البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، بل وتنفيذ طلعات جوية وعمليات بحرية بالقرب من المياه الإقليمية والأجواء لدول منظمة شمال الحلف الأطلسي بمن فيهم الولايات المتحدة. في هذا الصدد، تقوم القاذفات تو 160 وتو 95 بعمليات جوية قريبة من أجواء دول الحلف الأطلسي، مما يخلق قلقا شديدا في هذه الدول. وفي جلسة للدفاع في مجلس الشيوخ الأمريكي منذ أسبوعين، قال الجنرال المتقاعد غاري هريس أن «الروس يتدربون على ضرب الولايات المتحدة، ويسيرون عمليات طيران على طول الحدود الأمريكية والكندية ويحاكون عمليات ضرب بالصواريخ النووية من البر والجو وبواسطة غواصات نووية أهدافا في التراب الأمريكي وبالخصوص العاصمة واشنطن».
وعلاقة بهذه النقطة، نفذت روسيا خلال أيلول/سبتمبر الماضي مناورات عسكرية باسم «زباد» سببت الرعب في الدول القريبة من حدودها والقلق الكبير في الغرب، لأنها كانت موجهة بطريقة أو أخرى إلى غزو نسبة نقط جغرافية في القارة الأوروبية.
ولمعرفة التحديات التي تطرحها روسيا حاليا في إطار عودة الحرب الباردة هو ما يلي: انكباب الحلف الأطلسي على دراسة خطط جديدة لاحتواء أي تهديد روسي ابتداء مما هو عسكري محض إلى الحرب الرقمية، وهذا يمتد من تعزيز الوجود العسكري إلى العقوبات الاقتصادية ضد روسيا.
وضع خطط لاستعادة دول كانت شريكة للغرب وبدأت تميل إلى روسيا منها تركيا العضو في الحلف ومصر التي تتقرب كل مرة من الكرملين، وتهديد دول أخرى بالرهان على موسكو في وقت الأزمات مثل المغرب لمنع حصول روسيا على قواعد عسكرية في البحر الأبيض المتوسط وآسيا وافريقيا.

Sign In

Reset Your Password