يوصف “بالنزاع النائم” أو “النزاع البارد”، لهذا لا توليه مراكز الدراسات الاستراتيجية الكبرى أهمية لاسيما في ظل تناسل النزاعات المقلقة التي تتخذ أبعادا مقلقة مثل سوريا وأوكرانيا وجنوب السودان ومنطقة الساحل الإفريقي، لكنه خلال السنة الجديد 2015 مقبل على كل الاحتمالات ومنها استئناف حرب، إنه نزاع الصحراء الذي تغذيه، ومنذ السنوات الأخيرة، عوامل متعددة بكل توابل التوتر التي تسير نحو الانفجار.
ويعتبر النزاع من أقدم نزاعات القارة السمراء المطروح على أنظار الأمم المحتدة، فهو يعود الى أواخر الخمسينات بين المغرب واسبانيا ليتحول الى نزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو بعد ظهور الأخيرة ومغادرة اسبانيا الصحراء سنة 1975. وسيتبلور حول ثنائية استعادة المغرب لأراضيه تحت شعار “استكمال الوحدة الترابية” وبين “تصفية الاستعمار والاستقلال” بالنسبة لجبهة البوليساريو.
وهذه هي الصيغة التي ستتحكم في مختلف مراحل النزاع منذ اندلاعه الى الوقت الراهن. ومثل كل النزاعات العالمية المطروحة على الأمم المتحدة، شهد النزاع مراحل بين السلم والحرب، فقد اندلعت الحرب ما بين سنتي 1975 الى 1991 عندما نجحت الأمم المتحدة في وقف الحرب وفسح المجال أمام تنظيم استفتاء تقرير المصير الذي كان المغرب يقبله وقتها.
ومنذ سنة 1991، والأمم المتحدة تحاول إيجاد حل نهائي للنزاع، ودائما وفق قرارات مجلس الأمن التي نصت دائما على مبدأ تقرير المصير، لكنها لم تفلح في التوصل الى الحل، والسبب هو عدم اعتبار القوى الكبرى النزاع موضوعا آنيا في الأجندة الدولية. فقد تعاملت معه من باب الحفاظ على التوازن بين الجزائر والمغرب لأن تأسيس دولة سيمس بالمغرب وانضمام الصحراء نهائيا الى المغرب سيكون شوكة صعبة الهضم بالنسبة للجزائر. وساهم طول فترة السلم في هذا الشعور وسط المنتظم الدولي ليتحول الملف الى “النزاع النائم”.
وطيلة فترة النزاع، جرى تجريب وصفات متعددة وآليات مختلفة بحثا عن الحل، وتولى مبعوثون شخصيون للأمين العام للأمم المتحدة التوفيق بين مختلف المقترحات، وأبرزهم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر والدبلوماسي الأمريكي المبعوث الحالي كريستوفر روس والهولندي بيتر فان والسوم. وواكب مجلس الأمن النزاع بقرارات تجشع الأطراف على الحوار. وساد نوع من الارتياح في أعقاب تقديم المغرب مقترح الحكم الذاتي خلال أبريل 2007، وقدم البوليساريو مقترحا يهدف الى الاستقلال لكن مع الحفاظ الكلي على مصالح المغرب في الصحراء.
وكانت هذه فرصة تاريخية لبلورة حل يعتمد على التصورين، وكان كاتب هذا المقال من الذين طرحوا وعلى صفحات القدس العربي “الاختيار الرابع” القائم على التوفيق بين مصالح المغرب ومصالح جبهة البوليساريو دون تبخيس الجزائر وترجمة كل هذا في قالب فيدرالي أو كونفدرالية، حيث يشعر المغرب بوحدته الترابية، ويشعر الصحراويون بالعيش في دولة تقريبا مستقلة.
ولم يستغل المنتظم الدولي تلك اللحظات التاريخية المتمثلة في تقديم كل طرف من طرفي النزاع تصورات هامة للغاية نابعة من الإرادة الذاتية لهما وليست مفروضة بقرار من مجلس الأمن، ولم تنخرط الدول الكبرى في تطوير المقترحين رغم وجود ما يعرف ب “مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية” المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واسبانيا وروسيا. ولم تغني مراكز البحث الكبرى وخاصة في أوروبا المبادرتين بمقترحات تكميلية.
وما كان يعتبر لحظة تاريخية وقفزة نوعية لتحقيق الحل، تحول تدريجيا الى منعطف نحو مزيد من التوتر من خلال فتح جبهات جديدة في النزاع أبرزها:
-توظيف ملف حقوق الإنسان سلاحا قويا في النزاع، حيث شنت جبهة البوليساريو حملة قوية لمحاصرة المغرب حقوقيا أمام المنتظم الدولي وخاصة في المنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة. ونجحت في إضفاء الطابع الحقوقي على النزاع، وهذا يترجم في عشرات التقارير حول خروقات المغرب في الصحراء ومبادرة الولايات المتحدة المفاجئة في أبريل 2013 بتكليف قوات المينورسو مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.
-ملف استغلال الثروات الطبيعية، ومن أبرز عناوينه الصراع حول اتفاقية الصيد البحري المغربية-الأوروبية هل ستشمل مياه الصحراء أم لا، ثم النزاع القائم حول شرعية التنقيب عن النفط من عدمها في مياه الصحراء. وبرز ملف الثروات الطبيعية للصحراء بشكل ملفت في الصراع خلال الثلاث سنوات الأخيرة.
– عودة التنافس الدبلوماسي بين المغرب والبوليساريو المدعمة من الجزائر لإقناع دول العالم بمغربية الصحراء أو بما يسمى جمهورية الصحراء، ويراهن المغرب على موقف الحكومات حتى تسحب الاعتراف أو لا تعترف بالدولة التي أعلنتها البوليساريو من طرف واحد. وقد نجح نسبيا في هذا الهدف ومن جهتها، تركز جبهة البوليساريو على الحصول على الاعتراف بها كدولة من طرف برلمانات الدول وخاصة الكبرى، وقد نجحت في الحصول على اعتراف برلمانات دول مثل السويد والبرازيل وإيطاليا والتشيلي.
الصراع الدبلوماسي المتعدد الجبهات من حقوق الإنسان وثروات طبيعية والاعتراف من عدمه ترتب عنه تدويل ملف الصحراء في الوقت الراهن بشكل غير معتاد خلال العشرين سنة الأخيرة، ولكنه شبيه بسنوات الثمانينات عندما كانت الحرب على أشدها في الصحراء.
ويوجد النزاع في الوقت الراهن في منعطف حساس للغاية مما يجعله مرشحا لكل الاحتمالات بما فيها فرضية الحرب سنة 2015، ويدرك المنتظم خطورته لاسيما تحت ضغط الأمم المتحدة. ومميزات النزاع حاليا هي:
-إعلان المغرب معارضته الشديدة للتوجه الجديد للأمم المتحدة القاضي بالعمل من أجل استفتاء تقرير المصير. ولا يتردد في اتهام الأمين العام بان كيمون خاصة بعد تقريره لمجلس الأمن في أبريل 2014 الذي يحدد تقرير المصير الحل الوحيد على حساب مقترح الحكم الذاتي بالإنحياز للبوليساريو. ويرفض المغرب الآن التعامل مع الأمم المتحدة طالما لا تلتزم، كما أكد وزير الخارجية صلاح الدين مزوار بثلاثة شروط وهي عدم نقل النزاع الى الفصل السابع الذي يفرض الحل، ثم تحديد وحصر مهام المبعوث الشخصي في النزاع كريستوفر روس وأخيرا عدم تكليف قوات المينورسو بمراقبة حقوق الإنسان.
-إعلان زعيم البوليساريو محمد عبد العزيز في مناسبات متعددة خلال الشهور الأخيرة العودة الى الحرب. وأجرت القوات العسكرية للجبهة مناورات حربية تتجلى في سيناريو اختراق الجدار العازل في الصحراء.
-وجود المنتظم الدولي، عبر الأمم المتحدة، في مأزق حقيقيلنهجه سياسة التوازن والحفاظ على الوضع الحالي دون التفكير في بلورة آليات بشكل تدريجي تعمل على احتواء الحرب في حالة التهديد بالعودة إليها.
ويبقى السؤال العريض: هل ستقع الحرب في الصحراء بعد أبريل المقبل إذا عجز مجلس الأمن الدولي عن تقديم مقترح يقنع المغرب والبوليساريو بالسير في المفاوضات؟ وهل الحرب كفيلة بتحريك المنتظم الدولي للبحث عن الحل؟
يستند بعض الخبراء الى القول بصعوبة انفجار الحرب في الصحراء لأن الدول الكبرى لا ترغب في نزاع مسلح جديد على أبواب أوروبا. في الوقت ذاته، يستحضرون فرضية عدم ترخيص الجزائر للبوليساريو بشن حرب حتى لا تجد نفسها منخرطة فيها؟ والواقع أن هذه التحاليل مقنعة نسبيا، لكنه على ضوء الواقع والتطورات الدولية لا يمكن استبعاد سيناريوهات أخرى ومنها الحرب حتى يقتنع المنتظم الدولي بالتدخل بفعالية.
أولا، الحرب ليست بالأمر الجديد عن نزاع الصحراء، فمنذ سنة 1957 الى 1991 والصحراء فضاء لحروب متعددة بين جيش التحرير المغربي واسبانيا، ثم بين المغرب وجبهة البوليساريو، وبالتالي فأي انزلاق قد يعيد الحرب الى الواجهة. وتهدد البوليساريو بالعودة الى ما تعتبره “الكفاح المسلح الشرعي” إذا فشلت مساعي الأمم المتحدة.
-ثانيا، يعيش العالم تطورات مرعبة خلال السنوات الأخيرة، فلا أحد كان ينتظر السيناريو السوري المأساوي في منطقة حساسة مثل الشرق الأوسط، كما لا أحد كان ينتظر 3