هل ستستعمل روسيا السلاح النووي أم هي أطروحة غربية؟

قاذفة تو 160 التي لم تستعملها روسيا بعد في الحرب الأوكرانية

 يعيش العالم على إيقاع فرضية احتمال استعمال روسيا للسلاح النووي في الحرب الأوكرانية، على الأقل التكتيكي. وعليه، هل توجد أسس لهذه الفرضية أم أن الأمر هو مجرد خطاب للغرب من أجل التهويل وإظهار موسكو في موقف الضعف العسكري أمام الرأي العام العالمي؟

وأصبحت واشنطن تتحدث يوميا عن فرضية استعمال روسيا للسلاح النووي وأساسا التكتيكي. والسلاح التكتيكي لا يتعدى مداه بضع مئات من الكيلومترات وتكون قوته التدميرية ضعيفة مقارنة مع السلاح الاستراتيجي الذي يبلغ مداه آلاف الكيلومترات، وتكون قوته التدميرية هائلة وقد يخلف ملايين القتلى. ويفسر الخطاب الغربي وخاصة الأنكلوسكسوني منه فرضية استعمال روسيا للسلاح الغربي بـ«الهزائم» التي يتعرض لها الجيش الروسي في أوكرانيا وتقدم القوات الأوكرانية السريع نحو الشرق.
أسباب استحالة استعمال النووي:

في غضون ذلك، لا توجد مؤشرات ملموسة على استعمال أي سلاح من الأسلحة النووية سواء الاستراتيجية أو التكتيكية، والأسباب هي:
في المقام الأول، لو كانت روسيا ستلجأ إلى السلاح النووي، لكان الغرب وباقي دول العالم قد اتخذ أعلى مستوى من أعلى إجراءات الطوارئ وأهمها توزيع الحبوب المضادة للإشعاع على المواطنين وتهيئة مخابئ خاصة في كل المدن، والتدريب على السرعة في الاختباء. وعلى الأقل، لكانت مختبرات الأدوية قد رفعت من إنتاج الحبوب ضد الإشعاع بشكل ملفت. في نقطة أخرى، لو استعملت روسيا السلاح النووي، يعني أن نسبة هامة من ساكنة الغرب الروسي المحاذي لأوكرانيا ستهاجر نحو الوسط والشرق الروسي، وهذا سيعني خسائر بشرية لروسيا لأن مغادرة السكان تعني هزيمة حقيقية.
في المقام الثاني، لن تستفيد روسيا من استعمال السلاح التكتيكي ضد القوات الأوكرانية بحكم أن هذه القوات تنهج حرب العصابات. فهل يعقل من الناحية العسكرية استعمال سلاح نووي تكتيكي ضد تجمع من عشرات الجنود؟ ولم يسبق استعمال السلاح النووي التكتيكي، لكن الهدف من استحداثه كان لضرب السفن الحربية العملاقة مثل حاملات الطائرات، أو مخازن الأسلحة المحصنة بشدة أو ثكنة عسكرية تعج بالآلاف الجنود، وهذا لا يوجد الآن في أوكرانيا.
في المقام الثالث، لم تقل روسيا بأنها ستستعمل السلاح النووي في حرب أوكرانيا، بل شدد الرئيس بوتين ومساعدوه على استعمال السلاح النووي لحماية روسيا في حالة تعرضها لخطر يهدد وجودها سواء بالسلاح النووي أو الكلاسيكي. والحال أن روسيا لا توجد نهائيا في هذه الوضعية. في الوقت ذاته، اعتادت موسكو الحديث عن العقيدة العسكرية ومنها النووية طيلة السنوات الأخيرة، وكان آخر مرة قام بوتين بتقديم عرض خاص بالعقيدة النووية بشكل مفصل يوم فاتح مارس/آذار 2018 عند تقديمه أسلحة جديدة.
في المقام الرابع، هل يمكن لروسيا اللجوء إلى السلاح النووي وهي التي لم تلجأ إلى ترسانتها الحربية الثقيلة، ونعني استعمال الصواريخ فرط صوتية وقاذفات تو 65  وتو 160 وتو 22 م وأنواع أخرى من القنابل الكلاسيكية. لجأت إلى استعمال صاروخين فرط صوتي مرتين لضرب مخازن الأسلحة. وقبل استعمال السلاح النووي ستلجأ روسيا إلى استعمال الأسلحة الكيميائية التي يكون ضررها أقل على البيئة ولا تخلف إشعاعات قاتلة تدوم زمنيا.
في المقام الخامس، الدول اعتادت بناء خطابها التحذيري على ما عانت في الماضي أو كانت ستتعرض له. عندما تؤكد روسيا على العقيدة النووية فهي تستحضر التنبيه لما كانت ستتعرض له نهاية الأربعينات.
وعلى ضوء هذا، من يروج لاستعمال روسيا للسلاح النووي؟ تروج واشنطن ولندن لفرضية احتمال استعمال روسيا للسلاح النووي، وذلك بهدف رئيسي هو الإيحاء للرأي العام العالمي بأن روسيا تفقد الحرب وتوجد في مأزق حقيقي بفضل السلاح الغربي المتطور.

هل انهزمت روسيا؟

علاقة بهذا، توجد التصريحات السياسية وتوجد معطيات الواقع الملموس. وتبقى النتائج الواضحة للحرب حتى الآن هي: أوكرانيا فقدت جزء من أراضيها إلى الأبد بعد ضم روسيا الأقاليم الأربعة: دونيتسك ولوغانسك في الشرق وخيرسون وزابوريجيا في الجنوب، وهي تشكل 17في المئة من مساحة أوكرانيا أي قرابة مئة ألف كلم مربع؛ كما فقدت كييف بحر أزوف إلى الأبد. وغادر قرابة 18في المئة من ساكنة أوكرانيا نحو دول أخرى أغلبها أوروبية. وفقدت البلاد تقريبا بنيتها الصناعية العسكرية، وفقدت الكثير من صناعتها المدنية. ستحتاج أوكرانيا إلى سنوات طويلة لاستعادة الإنتاج القومي الخام الذي كانت عليه قبل بداية الحرب.
رغم الضربات القوية التي تلقاها الجيش الأوكراني، فهو كان قبل الحرب يحتل ما بين المركز 20 إلى 22 في الترتيب العالمي للجيوش، وبالتالي لا يمكن الاستهانة بالجنود خاصة إذا نهجوا حرب العصابات، ويبقى تحقيق تقدمهم نحو الشرق وتحقيق بعض الانتصارات أمرا واردا للغاية ويحدث الآن. غير أن الأمر له جانب آخر، فقد أعلنت موسكو عند بداية الحرب أن استراتيجيتها تتجلى في حماية واستقلال دونباس. ولهذا، حاصرت كييف وعددا من المدن في بداية الحرب، وقضت على القوات الأوكرانية التي كانت في الشرق، وبهذا سهلت عملية ضم دونباس بل وإقليمين آخرين وهما خيرسون وزابوريجيا. روسيا سحبت قواتها من باقي أوكرانيا نحو الشرق لحماية ما ضمته من أراض. وفي هذا الصدد، يقول جاك بود، وهو كولونيل سابق في الاستخبارات العسكرية السويسرية وكان ضمن الوفد الأوروبي المكلف بمفاوضات أزمة أوكرانيا سنة 2014 لإذاعة «راديو الجنوب» الفرنسي المستقل «ما يحدث هو أن روسيا تسحب قواتها نحو الشرق لحماية ما تضمه، الأقمار الاصطناعية الأمريكية ترصد الانسحاب الروسي خاصة من مدن أصبحت شبه خالية وتخبر القوات الأوكرانية التي تتقدم لاحتلال المناطق التي انسحب منها الروس. لم تحدث معارك ضارية بين الطرفين بل انسحابات روسية».
القوات الأوكرانية الآن كلها مركزة على الشرق بعدما كانت في السابق تحمي المدن الكبرى ومنها العاصمة كييف. وروسيا مجبرة على توفير أعداد كبيرة من الجنود لحماية ألف كلم من خطوط التماس الجديدة علاوة على توطيد سلطتها في الأقاليم الأربعة خاصة إذا ظهرت أعمال مقاومة من الداخل كما وقع من استهداف لجسر شبه جزيرة القرم يوم السبت 8 تشرين الأول/أكتوبر الجاري بسيارة مفخخة، وهذا يعني ضربة من الداخل. إذ من الصعب توفير حماية كافية لألف كلم أمام مئات الآلاف من الجنود الأوكرانيين الذين يمارسون حرب العصابات خاصة في ظل تطبيق هؤلاء الجنود تكتيكا غربيا وبأسلحة غربية متطورة، ويمكن انتظار ضربات قوية من أوكرانيا ضد القوات الروسية مثل السيطرة على بعض المراكز، لكن دون النجاح في استعادة الأقاليم بالكامل.

Sign In

Reset Your Password