خلال الأسابيع الأخيرة من سنة 2021، يسجل عالم الفضاء معطيات مثيرة لا تثير اهتمام الإعلام العربي، رغم أهميتها وارتباطها بمستقبل البشرية، ولعل أبرز حدث في هذا الشأن هو قرار وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» إنشاء لجنة دينية مكونة في الأساس من الديانات السماوية الثلاثة، الإسلام والمسيحية واليهودية للتعامل مع ملف الكائنات القادمة من الكون الفسيح، في حالة وصولها إلى كوكب الأرض، وما قد يترتب عن ذلك من خلخلة مفاهيم كثيرة.
وشهد ملف الفضاء، واحتمال وجود كائنات أخرى، منعطفا تاريخيا عندما اعترف البنتاغون في تقرير له خلال يونيو/حزيران الماضي برصد أجسام غريبة تجوب الفضاء بواسطة تكنولوجيا متقدمة لم تحققها البشرية، ولا أحد يعرف هويتها حتى الآن. منذ صدور التقرير هذا، بدأ، كما تشير جريدة «لوفيغارو» الفرنسية يوم 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، الجميع يأخذ بعين الاعتبار فرضية وجود كائنات فضائية قد تتواصل مع كوكب الأرض، أو ربما زارته خلال الماضي.
ووسط كل هذه التطورات، صادق مجلس الشيوخ الأمريكي منتصف ديسمبر الماضي على إنشاء وكالة مختصة وخاصة تتميز بالعمل الاستخباراتي والعلمي، لدراسة الأجسام الطائرة المجهولة. وقرار من هذا النوع، يبرز الجدية التي تأخذ بها المؤسسات الأمريكية، هذا الملف الشائك والغامض.
وبعد القرار الأمريكي، ترسل وكالة الفضاء الأمريكية والأوروبية والكندية إلى الفضاء نهاية ديسمبر تليسكوب «جيمس ويب» الذي يعمل بالأشعة تحت الحمراء، وهو حلم راود العلماء منذ الخمسينيات. وبعد إطلاق التلسكوب، يشعر العلماء بنوع من الرهبة، لأن جيمس ويب من شأنه التسبب في قفزة تاريخية في فهم الكون الفسيح، والتوصل إلى نتائج قد تعيد النظر في معطيات تعتبر من المسلمات في الوقت الراهن، قد تمتد إلى عمر الكون، وربما نظرية الانفجار الكبير. ويبقى المثير في هذا الأمر، هو قرار وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» إنشاء لجنة مكونة من رجال دين، وأساسا الإسلام والمسيحية واليهودية، وتتجلى مهمة اللجنة في تحضير البشرية للاحتمال المتزايد للتواصل مع الكائنات الفضائية، ثم تقييم كيفية تفاعل الأديان، مع وجود حياة خارج كوكب الأرض، وكيف يمكن أن يؤثر هذا الاكتشاف في مفهوم الله والخلق. وكانت وكالة «ناسا» حتى الأمس القريب ترفض الحديث عن وجود كائنات فضائية، وهذه المرة تنشئ لجنة دينية، لدراسة فرضية الانعكاسات التي قد تشهدها البشرية في حالة وصول كائنات فضائية. وتقف عوامل وراء قرار «ناسا» أولا، تطور البحث العلمي، فحتى الأمس القريب كانت البشرية تعتقد أنها مركز الكون، لتعتقد أن الشمس هي مركز الكون، ثم إن الشمس مجرد نجم في مجرة كبيرة ومجرة التبانة هي واحدة من مئة المليارات من المجرات وقد تكون المفاجأة بوجود أكوان أخرى. ويقول كارل بيلشر الرئيس السابق لمعهد علم الأحياء الفلكي، التابع لوكالة الفضاء الأمريكية «الفكرة التي لا يمكن تصورها الآن هي، أن الأرض هي الكوكب الوحيد الذي توجد عليه الحياة… هذا أمر لا يمكن تصوره عندما يكون هناك أكثر من 100 مليار نجم في هذه المجرة، وأكثر من 100 مليار مجرة في الكون». ثانيا، هناك احتمال كبير برصد وكالة الفضاء حضارة فضائية ما، تستعد للتواصل مع كوكب الأرض، وبالتالي تعمل «ناسا» على تحضير البشرية لهذا الحدث الكوني. ثالثا، يمتد الصراع بين القوى الكبرى إلى مجال البحث عن كائنات فضائية، لاسيما في ظل شبه اعتراف صيني وروسي رسمي بوجودها، حيث يعمل البلدان في صمت في هذا الشأن. وكان إنشاء الصين سنة 2019 لأكبر راديو تلسكوب لالتقاط الإشارات الفضائية، قد خلق توجسا في واشنطن.
ويستمر العلماء في نقاش وجود حضارات في كواكب أخرى، وكان العلماء في الماضي يتهربون من خوض هذا الموضوع، بسبب غياب الأدلة العلمية، وتناول الموضوع من طرف شعبويين، لكن التقدم في غزو الفضاء والإشارات الغامضة المقبلة من الكون الفسيح كلها معطيات شجعتهم على استعادة النقاش، الذي كان قد بدأ في الأربعينيات والخمسينيات، وسط كبار العلماء، حول موضوع الكائنات الفضائية مثل، آينشتاين، خاصة عالم الفيزياء إنريكو فيرمي، الذي وضع أسس المحرك النووي، وأحد واضعي أسس الميكانيكا الكم «الفيقياء». ويبرز اليوم بنظرياته المثيرة العالم أبراهام لويب الرئيس السابق لشعبة الفيزياء الفلكية من جامعة هارفارد، ويشغل منصب رئيس مجلس الفيزياء والفلك في الأكاديميات الوطنية الأمريكية، وهو عضو في مجلس مستشاري الرئيس حول العلوم والتكنولوجيا. هذا العالم وضع تصورا جديدا لمستوى حضارات الفضاء تختلف عن نظرية العالم الروسي الشهير نيكولاي كاردشيف، الذي قال إن تقدم حضارة في كوكب، رهين بنوعية الطاقة التي تستعملها، إذ أن الحضارات البدائية بالكاد تستعمل الطاقة التي توجد في كوكبها، بينما الحضارة المتوسطة تستعمل حضارة النجم الذي توجد فيه، في حين أن الحضارة المتقدمة هي تلك التي تستعمل حضارة المجرة برمتها، وهذه الحضارة قادرة على زيارة كل الكواكب. ويؤكد وجود حضارة كوكب الأرض في مرحلة جنينية من المرحلة الأولى. بينما لويب يشغل العالم بنظريته الجديدة التي تنص على تصنيف جديد لحضارات الفضاء، مشيرا الى ثلاثة مستويات تتعلق بمدى القدرة على الخلق، بما في ذلك إنشاء أكوان جديدة، لينتهي إلى فكرة مثيرة مفادها أن حضارات فائقة التقدم خلقت كوكب الأرض، بل الكون الذي توجد فيه الأرض، وأن تقدم كل حضارة رهين بمدى قدرتها على إعادة إنتاج ظروف الفيزياء الفلكية، التي كانت وراء نشأتها. ويؤكد مثل كاردشيف بوجود الحضارة البشرية في مرحلة جنينية جدا. وكان لويب هو الذي اعتبر رصد جسم غريب يحمل اسم «أوماموا» أنه سفينة فضائية عملاقة اقتربت من الشمس للتزود بالطاقة، وخلق ضجة في الأوساط العلمية بين مؤيد ورافض.
ويبقى الجانب المثير في التقدم الفضائي وعلاقته بالدين، هو ما يطرحه العلماء من احتمال وجود حضارات متقدمة، بل دورها في الحياة في الكوكب. نقاش لا يروق كثيرا للديانات السماوية التي ترى فيه نوعا جديدا من الإلحاد، وهذه المرة قائمة على تصور مختلف لعملية الخلق والنشوء. ومن حظ هؤلاء العلماء أنهم في فترة قطعت فيها البشرية مراحل نضج في فهم العلم وعلاقته بالدين، ولا يمكن مشاهدة البعض منهم مسجونا مثل غاليليو، أو تشعل فيه النيران في ساحة عامة مثل العالم والفيلسوف جيوردانو برونو، الذي دافع عن نظرية كوبرنيك حول كروية الأرض وأحرقته الكنيسة يوم 17 فبراير/شباط 1600، لترتكب أبشع الجرائم باسم الدين في حق العلم.