لماذا يحمل الفاتيكان مسؤولية حرب أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي؟

لقاء بين البابا زعيم الفاتيكان وزعيم الكنيسة الأ{ثوذوكسية الروسية

مع استمرار الحرب الروسية ضد أوكرانيا، يتفاقم تدريجيا الشرخ وسط الغرب سواء بين الدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة أو داخل مؤسسة الفاتيكان التي لم تتردد في تحميل الحلف الأطلسي مسؤولية اندلاع هذه الحرب. وهو موقف يقلق كثيرا صناع القرار في الغرب نظرا لتأثير الفاتيكان على المسيحيين.

وبعد مرور قرابة أربعة أشهر على الحرب التي أعلنتها موسكو ضد كييف يتبلور الشرخ تدريجيا بين تيارين وسط الغرب وهما: محور واشنطن-لندن المدعم من طرف بولونيا ودول البلطيق الذي يراهن على التصعيد الحربي. ويرى هذا الطرف في هذه الحرب منعطفا هاما يتجلى في عدم السماح لروسيا بالانتصار أو على الأقل تكليفها خسائر كبرى لن تقدم مرة أخرى على حرب ثانية ضد دولة من دول أوروبا الشرقية مثل بولونيا أو دول البلطيق.
وفي الاتجاه الآخر، يوجد محور باريس-برلين ومعه عواصم ذات ثقل مثل بروكسل وروما ومدريد، وتطالب بالتهدئة والتوصل الى اتفاق يراعي مصالح روسيا الأمنية ومصالح أوروبا الغربية الاقتصادية. ومن ضمن هذه المصالح ضرورة استمرار تدفق الغاز الروسي لأن انقطاعه سيعني أكبر ضربة اقتصادية لأوروبا الغربية تتجاوز أزمة النفط في السبعينات.
غير أن المفاجأة الحقيقية جاءت من الفاتيكان بتصريحات متكررة للبابا فرانسيسكو الذي يلمح إلى مسؤولية الحلف الأطلسي في هذه الحرب. وتشكل تصريحات البابا مصدر قلق للولايات المتحدة وبريطانيا ثم دول مثل بولونيا ومجموعة دول البلطيق بحكم أنه أعلى سلطة دينية في العالم الغربي تشكك في جهات غربية وتحملها مسؤولية هذه الحرب.
وتوجد في الغرب عموما ثلاثة تيارات مسيحية مهيكلة مؤسساتيا وبالتالي لديها آراء خلال الأزمات، وهي الكنيسة الأرثوذوكسية، ثم الفاتيكان وأخيرا الكنيسة الأنجليكانية المهيمنة في العالم الأنغلوسكسوني. ويوجد ثقل الكنيسة الأرثوذوكسية في روسيا سواء الوزن السياسي أو نسبة الأتباع، وهذه الكنيسة أعلنت انخراطها في تأييد الحرب الروسية ضد أوكرانيا. في الوقت ذاته، تلتزم الكنيسة الأنجليكانية أي الكنيسة غير البابوية المهيمنة في بريطانيا والولايات المتحدة وكندا الصمت تجاه هذه الحرب، وعادة لا يسمع صوتها في الحروب الكبيرة التي تخوضها لندن وواشنطن.
وبين الصمت الأنجليكاني والتأييد الأرثوذوكسي، ينفرد الفاتيكان بموقف مختلف يزيد من الشرخ وسط الغرب. وخلال الأسبوع الجاري، وفي تصريحات أكثر إثارة مع مدراء مجلات دينية وثقافية مرتبطة بالفاتيكان ومنتشرة في أوروبا ومسؤولة عن تصريف مواقف وثقافة الفاتيكان، عاد البابا مجددا إلى التركيز على تسبب جهة ما في الحرب الحالية لأهداف معينة، ويتهم ضمنيا في هذا الصدد الحلف الأطلسي وشركات إنتاج السلاح ومن أسماهم بالمسيحيين الذين يبحثون عن المال والربح من النزاعات المسلحة. لم يتوقف البابا عند هذا الحد، بل أعلن عزمه زيارة موسكو إذا تلقى ترحيبا من الرئيس فلاديمير بوتين لبحث حل للنزاع، ولكنه لم يعرب عن استعداد لزيارة أوكرانيا حاليا. لكن هذا لم يمنعه من التنديد بوحشية القوات الروسية ضد الأوكرانيين ومحاولة موسكو منع أوكرانيا من تقرير مصيرها.
ومناهضة الفاتيكان للحرب ليست بالأمر الجديد، فقد رفض مختلف الحروب التي وقعت خلال الخمسين سنة الأخيرة من حرب الفيتنام إلى حرب الخليج الأولى والثانية، غير أن مواقف الرفض الآن تبدو أكثر حدة لطبيعة البابا فرانسيسكو القادم من الكنيسة الكاثوليكية من أمريكا الجنوبية، وبالضبط من الأرجنتين، وهي كنيسة معروفة بعدائها للسياسة العسكرية الغربية.
ويبرز أستاذ الفلسفة في جامعة بيروجيا، ماسيمو بورغيسي للإذاعة الألمانية حول تصريحات البابا أن هذا الأخير لا يهمه القضايا الجيوسياسية بل مصير الشعوب ومصير الإنسانية والعمل من أجل الحروب «ولهذا، رفضت الدول المتطورة بطريقة أو أخرى مثل الولايات المتحدة تصريحات البابا فرانسيسكو لأنها تريد إضعاف روسيا من خلال الحرب والعقوبات». ويضيف هذا الأستاذ أن تصريحات البابا الداعية إلى السلام تأتي في وقت فقدت الحركات المناهضة للحرب تأثيرها كما انخرطت الأحزاب اليسارية والخضر كما يحدث في ألمانيا في دعم هذه الحرب تحت يافطة «دعم الديمقراطية» التي يهددها فلاديمير بوتين.

Sign In

Reset Your Password