اعتادت الانتخابات الرئاسية الأمريكية أن تشد أنظار العالم، فالأمر يتعلق بديمقراطية عتيقة، كما يتعلق بدولة تتحكم بشكل كبير في القرارات العالمية العسكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
وهذا الاهتمام يدفع الكثير من المحللين الدوليين إلى القول» لمن سيصوت العالم في الانتخابات الأمريكية المقبلة؟ والتصويت هو رمزي، بمعنى مع من سيتعاطف العالم. وهكذا، ومنذ سقوط جدار برلين، للمرة الثانية على التوالي تحظى الانتخابات الرئاسية الأمريكية باهتمام كبير في العالم. فالانتخابات التي جرت خلال السنوات الأخيرة، جذبت أنظار الرأي العام بسبب المرشح الديمقراطي باراك أوباما، فلأول مرة يترشح أمريكي من أصول سوداء إلى رئاسة البيت الأبيض، ويفوز بولايتين، حدث يعد منعطفا تاريخيا في الحياة السياسية الأمريكية.
وفي تلك الانتخابات، صوت العالم رمزيا لباراك أوباما، فقد خلق تعاطفا كبيرا، خاصة في أوساط ناشطي حقوق الإنسان والتقدميين، بل حتى المحافظين الأوروبيين الذين اعتادوا التعاطف مع الحزب الجمهوري.
وتجذب الانتخابات الأمريكية هذه المرة انتباه الرأي العام العالمي، وهذه المرة ليس بسبب لون المرشح، بل لأسباب متعددة ومختلفة. في البدء، كان الاهتمام منصبا على المرشحة الديمقراطية الأخرى هيلاري كلينتون، وكان الرأي العام يتساءل: هل ستكون هيلاري كلينتون أول امرأة تحكم الولايات المتحدة؟ ويعد هذا البلد من أوائل الدول التي أرست الديمقراطية، بينما دول في أمريكا اللاتينية مثل البرازيل والأرجنتين وتشيلي انتخبت رئيسات، بل أن دولا ذات ديمقراطية غير متكاملة مثل باكستان والهند كانت لديها رئيسات علاوة على بعض الدول الأفريقية ومنها ليبيريا.
وكانت نقطة الاهتمام الثانية هي طروحات المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ورغم قبول جزء من الشعب الأمريكي به وتصدره استطلاعات الرأي في أوساط الجمهوريين، إلا أن الرجل أساء إلى صورة الولايات المتحدة. في ظرف أسابيع قليلة، ساهم في توتر مع سكان أمريكا اللاتينية بسبب الاتهامات التي صدرت عنه ضد المهاجرين. ويلقى تنديدا في العالم الإسلامي عندما أراد ربط كل المسلمين بالإرهاب، وأثار احتجاج الصين التي ترى في نجاحه حربا اقتصادية عليها وتوترا عسكريا ينذر بانعكاسات سلبية. ويبدو أن دونالد ترامب القليل الخبرة بالعلاقات الدولية، لم ينتبه إلى المجهودات التي تبذلها مختلف الإدارات الأمريكية لتحسين صورة البلاد في الخارج، ومنها مساعي الجمهوري جورج بوش نفسه عندما أنشأ قناة الحرة لمخاطبة العالم العربي، إبان حرب الخليج، أو مساعي باراك أوباما عندما وجه خطابا إلى المسلمين من القاهرة سنة 2009 في محاولة منه لمد جسور الحوار مع المسلمين. ولم تساعده الظروف الدولية كثيرا، كما أنه لم يمتلك رؤية واضحة، خاصة أن الفكر الأمريكي يفتقد لمفكرين يدعون للسلام، بل فقط مفكرين يجتهدون من أجل تعظيم طروحات التفوق أمثال، فرانسيس فوكوياما وسامويل هنتنغتون بنظرياتهما السياسية ذات الطابع العسكري.
وإذا كان أوباما قد جذب العالم بلونه في الانتخابات الأخيرة، فهذه المرة يتابع العالم بيرني ساندرس المرشح الديمقراطي. ومرد هذا الاهتمام هو مقترحاته التي تبدو أنها من حزب يساري معتدل في أوروبا، بل أحيانا يقترب من طروحات اليسار الجذري، في قضايا التعليم والتطبيب والمساواة على مستويين بين الجنسين وبين الفقراء والأغنياء، لكن من دون السقوط في طروحات فضفاضة. قد تكون هذه الطروحات مفاجئة إذا أخذنا بعين الاعتبار الهيمنة التاريخية للفكر الليبرالي على المجتمع الأمريكي، ولكن التمعن في التطورات الأخيرة لن تفاجئنا كثيرا، فالعالم يسير نحو إعادة النظر في الرأسمالية المتوحشة. وانتعشت نظريات في هذا الشأن من ظهور مفكرين اقتصاديين مثل بول ماسون وتوماس بيتيكي اللذين يؤكدان أن العالم يدخل مرحلة ما بعد الرأسمالية، والولايات المتحدة لم تعد استثناء.
من خلال جولة في صحف العالم وبمختلف اللغات، وكذلك ردود فعل بعض ناشطي شبكات التواصل على المستوى الدولي بشأن مع من يتم التعاطف في الانتخابات الأمريكية، التوجه العالمي أو الميول تشير إلى ما يلي:
أولا، تنديد مطلق بطروحات دونالد ترامب، وبالتالي العالم لن يصوت رمزيا على هذا السياسي، فزمن كاوبوي السياسي انتهى.
ثانيا، تعاطف مع هيلاري كلينتون، لكن هناك بعض التحفظ عليها، فالكثيرون يرون أن تولي زوجة رئيس سابق، بيل كلينتون رئاسة الولايات المتحدة قد يؤسس لعائلات شبه ملكية في دولة جمهورية، وهذا سيعطي صورة سلبية عن الديمقراطية مستقبلا. لهذا يرى الكثير من المحللين الأجانب أن الناخب الجمهوري أحسن باستبعاده جيف بوش، ابن الرئيس جورج بوش الأب وشقيق الرئيس جورج بوش الابن، وقد يفعل الناخب الديمقراطي الشيء نفسه مع هيلاري.
ثالثا، تعاطف كبير ونوعي بطروحات بيرني ساندرس. وإذا كان هذا السياسي قد جعل المواجهة بين الديمقراطيين الأربعاء الماضي تسجل أعلى نسبة متابعة سياسية بين مرشحي هذا الحزب في تاريخ التلفزيون الأمريكي، فهو يخلق اهتماما مماثلا في العالم بالحملة الانتخابية الأمريكية. فقد منح طابعا إنسانيا لهذه الانتخابات، من خلال مقترحات ترفض مزيدا من تورط الولايات المتحدة في الحروب، وفي المقابل يطالب بالتنسيق مع المنتظم الدولي لمواجهة التحديات، بما فيها الإرهابية، ويبدي اهتماما بالفقراء والطبقات المتوسطة الأمريكية، حيث يشدد على الدراسة المجانية في الجامعة وضمان الصحة للجميع. كل هذه العوامل، تجعل الكثيرين في العالم يصوتون لبيرني ساندرس رمزيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فهو قد يصالح الولايات المتحدة مع العالم كما سيصالح المجتمع الأمريكي مع ذاته.
لماذا يصوت العالم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية على الاشتراكي بيرني ساندرس
المرشح الديمقراطي بيرني ساندرس