في فترة زمنية وجيزة، فرانسوا هولند من «العدو الأول للمملكة المغربية» إلى «ضيف فوق العادة»

الملك محمد السادس رفقة فرانسوا هولند خلال زيارته الى طنجة

خلال أبريل من سنة 2013 حل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولند في زيارة رسمية للمغرب، ووقتها تحدث المغرب الرسمي بحماس شديد عن العلاقات الاستثنائية بين البلدين. لكن هذا الخطاب لم يمنع من وقوع أسوأ أزمة بين البلدين منذ عقود. وتعود الآن بمناسبة زيارة هولند للمغرب لترديد الأسطوانة نفسها. ولا يمكن فهم التطورات والأزمات بين باريس والرباط بمعزل عن مربع العلاقات المعقدة غرب البحر الأبيض المتوسط باريس، الرباط، مدريد والجزائر التي يتم فيها تبادل الأدوار بين الحين والآخر.

وهكذا، فقد حل هولند بطنجة شمال المغرب يومي 19 و20 سبتمبر الجاري، وحاولت باريس إعطاء الزيارة طابع نهاية الأزمة لكن بشكل محدود وعقلاني. في المقابل، غرق المسؤولون المغاربة والصحافة الرسمية في الإطناب عن العلاقات التاريخية والمثالية وإذا كانت الأولى برغماتية، فالثانية غير برغماتية، إذ يكفي العودة شهورا الى الوراء لقراءة كيف كانت تقدم  فرانسوا هولند بمثابة “العدو الأول للمملكة المغربية”  وكيف أصبح الآن “ضيفا فوق العادة”.

وعمليا، تعتبر العلاقات الثنائية تاريخية، لكن التأمل في ما هو تاريخي لا يقتصر فقط على التعاون الاقتصادي والسياسي بل يجر الى الاستعمار ومقتل مئات الآلاف من المغاربة  في مواجهة المستعمر الفرنسي، موضوع يتفداه المغرب الرسمي. كما يحيل مفهوم “التاريخي” على ارتباط المغرب اقتصاديا وثقافيا وسياسيا بباريس الى مستويات “التعبية” أو “ماما فرنسا” كما يسخر بعض المغاربة من تعلق الدولة المغربية بفرنسا طيلة عقود.

والأزمة الأخيرة التي استمرت ما بين فباير 2014 الى فبراير 2015 بين البلدين كشفت الطابع غير الناضج للبلدين. وانفجرت بعد متابعة القضاء الفرنسي مدير المخابرات المغربية عبد اللطيف الحموشي بتهمة تعذيب مجموعة من الفرنسيين من أصول مغربية.  وهو الملف الذي استحوذ على قسط وافر لهذه الزيارة.

المتابعة جعلت المغرب يحس بنوع من الغبن، فهو البلد الذي فتح للشركات الفرنسية الاقتصاد المغربي، ويمول الأمن الفرنسي بكل المعطيات لمكافحة الإرهاب، ويجد الآن فرنسا تخونه. ويضاف الى هذا إحساس المغرب بنوع من التهميش اعتقادا منه بتفضيل هولند للجزائر.

ومن جهتها، أحست فرنسا بدورها بنوع من الغبن، فهي تعتبر نفسها الدولة التي تقف مع المغرب في نزاع الصحراء رغم ما تتعرض له من انتقادات دولية. وتعتبر نفسها دعامة أساسية للاقتصاد المغربي من خلال الدفاع عن مصالحه في الاتحاد الأوروبي وتقديم مساعدات مالية ثابتة سنويا وتشجيع الشركات الفرنسية على الاستثمار في المغرب.

وسوء الفهم أدى الى حرب حقيقية بين الطرفين،  أججتها حتى استخبارات الطرفين وفق جريدة لوموند  (11 فبراير 2015). كان الرد المغربي سريعا بتجميد التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين وشن حملة إعلامية سياسية ضد الرئيس فرانسوا هولند مفادها تخوفه من انتشار المغرب في إفريقيا الغربية. وفي الوقت ذاته انفتحت الرباط أكثر على باريس.

ومن جهة أخرى، كان الرد الفرنسي قاسيا وتجلى في: شن حملة استخباراتية بالوقوف وراء ظاهرة كريس كولمان في شبكات التواصل الاجتماعي الذي سرب وثائق سرية للمخابرات المغربية في رد يعتقد أنه عقابا للمغرب على تسريبه للصحافة اسم ضابطة استخبارات كانت معتمدة رسميا لدى الرباط. وتعمدت باريس تقليل الدعم للمغرب وسط الاتحاد الأوروبي وتهميشه في المؤتمرات الدولية التي احتضنتها وتشجيع نشاط البوليساريو في فرنسا. ووجدتها فرصة لتبرهن أنها لم تعد تميل الى المغرب كما كان الشأن سابقا، وهي تهمة كلفتها الكثير مع الجزائر. وهذه الأزمة كانت فرصة مناسبة لمدير الاستخبارات الخارجية بيرنارد باجوليت للدفع نحو تطوير العلاقات مع الجزائر.

الحرب التي دارت بين البلدين طيلة سنة، كشف بالملموس عن غياب آليات حقيقية لاحتواء التوتر، كما أبانت عن غياب نضج عميق خاصة لدى فرنسا. إذ يفترض أن فرنسا دولة متقدمة ديمقراطيا ودولة مؤسسات ولا تتغلب عليها العاطفة وردود الفعل، فما كان عليها الدخول في هذه الحرب.

وبعد توتر دام سنة كاملة جرى التقارب في فبراير الماضي من خلال اتفاقية قضائية تحيل بموجبها فرنسا الدعاوي التي يرفعها مغاربة ضد مسؤولين مغاربة أمام القضاء الفرنسي. لكن المصالحة لم تغلق ملف ملاحقة مدير المخابرات، فالقضاء أحال على المغرب محاكمته، وكل تأخر في هذا الشأن سيجعل القضاء الفرنسي سيستعيد الملف ويلاحقه. في حالة حدوث هذا السيناريو، ستكون العلاقات الثنائية أمام امتحان حقيقي.

وسائل الاعلام والأحزاب الفرنسية لم تتبنى خطاب الترحيب، جرى التركيز على الملف الحقوقي ومعارضة توشيح الحموشي وإبراز المضايقات ضد الصحافة المستقلة، كما جرى التركيز على التعاون الأمني والاقتصادي. وهي النظرة نفسها التي حملها هولند. فحسب “لوجورنال دي ديمانش”، لم يقدم فرانسوا هولند أي تنازل، وكان جوابه عندما تدخل الملك في ملف الحموشي “القضاء مستقل في فرنسا”.

 في المقابل، تبنت الصحافة الرسمية والقريبة من النظام المغربي خطاب الإشادة، وغاب نهائيا النقد أو الخطاب المطالبي تجاه فرنسا. في الوقت ذاته، بالغت السلطات في استقبال الرئيس هولند، وهو ما يبرز الطابع العاطفي في دبلوماسية المغرب. في حين كان استقبال الملك في باريس خلال فبراير الماضي استقبالا عاديا استغرق ساعتين.

ما يجري بين الرباط وباريس لا يمكن فصله عن المنظار جيوسياسي في غرب البحر الأبيض المتوسط. وهذه الزيارة بدون شك تطرح تساؤلات في الجزائر ومفادها: هل سيحافظ هولند على ميله للجزائر أم سيميل الى المغرب؟ ويتردد التساؤل نفسه في مدريد: هل سيستمر المغرب في تطوير العلاقات مع اسبانيا أم سيقلل منها إرضاء لفرنسا؟

 انتهت زيارة هولند بتصريحات حماسية وبعض التدشينات، وهذه التصريحات هي نفسها التي انتهت بها زيارته السابقة سنة 2013، ولكنها لم تنفع في احتواء أزمة 2014. والتصريحات لا تصنع علاقات متينة بل مصالح مشتركة قوية وبرغماتية بعيدا عن العواطف.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password