في تطور ملفت في الحرب، الحلف الأطلسي قد يسمح للدول الأعضاء إرسال قوات عسكرية إلى الأراضي الأوكرانية

صورة من صور الحرب

دخلت الحرب الروسية-الأوكرانية خلال الثلاثة أشهر الأخيرة فصلا جديدا من المواجهة يتجلى في تسريع منظمة الحلف الأطلسي مد الجيش الأوكراني بأسلحة متطورة وانتقلت إلى احتمال ترخيص للدول الأعضاء لإرسال جنود، الأمر الذي قد يشكل منعطفا خطيرا نحو حرب أوسع.

تدمير السد

ويبقى الجديد في هذه الحرب هو انهيار جزء من سد كاخوفكا متسببا في فيضانات كبيرة. ونادرا ما تشهد الحروب تفجير سد إلا إذا كان تدميره سيغير من مسار حرب وسيؤدي إلى خسارة الطرف الآخر بل وانهزامه. ومن أشهر عمليات تفجير السدود، ذلك الذي قامت به القوات الأمريكية والبريطانية ليلة 16 وفجر 17 ايار/مايو من سنة 1943 بتفجير بعض السدود الألمانية لمنع الكهرباء عن مناطق صناعية لهذا البلد كانت تنتج الأسلحة. وتعرف هذه العملية بـ «العقاب» وكان لها أثر كبير على مسار الحرب العالمية الثانية لأنه حرم الصناعة العسكرية لنظام الرايخ من مصدر هام للطاقة.
ولعل المنعطف الحقيقي في هذه الحرب هو ما أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير  الجمعة الماضية، ونقلته وكالة «إنترفاكس» الروسية بقوله «يمكننا أن نقول على وجه اليقين أن الهجوم المضاد الذي انتظرناه طويلا قد بدأ» مبرزا أن هناك «قتالا عنيفا» منذ خمسة أيام، وقدمت قنوات التلفزيون الروسية تدمير رتل من دبابات ليوبارد هذه الأيام، الأمر الذي يؤكد وقوع الهجوم المضاد. ويجب أخذ تصريحات كرسالة إلى الداخل الروسي لطمأنته باستمرار الجيش الروسي في تحقيق أهدافه الرئيسية وهي ضم شرق أوكرانيا بالكامل إلى خريطة البلاد، ثم رسالة إلى الغرب بشأن التطورات المستقبلية للحرب. وعادة ما تكون رسائله للغرب تحديا ومحاولة التسبب في تراجع مستوى الثقة.

 نحو انخراط عسكري للحلف الأطلسي

ويبقى المثير هو التصريحات التمهيدية حول مشاركة شبه مباشرة للحلف الأطلسي «الناتو» في هذه الحرب. وعلاقة بهذا، أكد أندرس راسموسن، الأمين العام السابق لحلف الناتو، أنه لا يمكن استبعاد دعوة دول معينة في الحلف قريبًا لإرسال قوات عسكرية للقتال في الحرب لدعم الجيش الأوكراني. وبالتالي، قد تكون قمة الحلف في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، المقرر عقدها يومي 11 و12 من الشهر المقبل حاسمة في هذا الشأن. ومنذ بدء الحرب، خلال شباط/فبراير 2022 رفضت دول الحلف الأطلسي لاسيما فرنسا وألمانيا تجاوز ما يصطلح عليه «الخط الأحمر» وهو إرسال قوات أطلسية إلى أوكرانيا، خوفا من أن يؤدي الصراع إلى حرب شاملة تكون أوروبا هي الخاسرة فيها.
وبدأت دول الحلف تغير موقفها تدريجيا، فقد بدأت بإرسال أسلحة متطورة مثل منظومة هيمارس الهجومية وأنظمة الدفاع الجوي باتريوت، ثم دبابات ليوبارد علاوة على قرار تزويد سلاح الجو الأوكراني بمقاتلات إف 16. وكان الحلف قد انتهى إلى صيغة مفادها حرية الدول الأعضاء في إرسال الأسلحة. ويبدو أن هذه الصيغة قد تتكرر، وفق تصريحات راسموسن، ابتداء من الشهر المقبل من خلال احتمال الترخيص لبعض دول «الناتو» التصرف بشكل مستقل عن طريق إرسال قواتها المسلحة إلى الجبهة. ويشغل راسموسن منصب مستشار الرئيس الأوكراني فلوديمير زييلنسكي في الوقت الراهن، وبالتالي يجب أخذ تصريحاته على محمل الجد.
وتشير كل المعطيات المتواترة حول دور جديد للحلف، أن العديد من الدول يمكن أن ترسل قريبًا قوات إلى أوكرانيا إذا لم يتم تقديم مساعدة ملموسة في قمة فيلنيوس إلى أوكرانيا. وتوجد ثلاثة عوامل يمكن اعتبارها حاسمة لكي ترسل بعض دول الحلف الأطلسي قواتها إلى الأراضي الأوكرانية للمشاركة في الحرب وهي:
في المقام الأول، يشهد انخراط الحلف الأطلسي في الحرب خطوة تلوى الأخرى، ومنها إرسال تقديم الدعم السياسي لكييف، ثم إرسال أسلحة متطورة ومنها هيمارس وباتريوت، ثم انخراط قوات النخبة العسكرية سرا في الحرب، والآن قد يتم إرسال قوات عسكرية تحت مبرر دفاعها عن بلد صديق دون شن هجمات على الأراضي الروسية.
في المقام الثاني، الجيش الأوكراني خسر الكثير من قواته البشرية، وهاجر الكثير من الشباب إلى الخارج، ولن تفيد كثيرا عملية تطوع المدنيين في شيء لأنهم سيحتاجون لشهور لاكتساب خبرة محدودة، وبالتالي أصبح إرسال جنود من دول مجاورة لهم خبرة وتدريب أمرا ضروريا.
في المقام الثالث، تسود وسط الحلف الأطلسي أطروحة عسكرية تعتقد بضرورة استنزاف الجيش الروسي في أوكرانيا قبل انتقاله إلى تهديد دول مثل لتوانيا وإستونيا بل وحتى بولندا نفسها. وتؤمن دول البلطيق وبولندا بهذه الأطروحة، ولهذا تعد الأكثر حماسا لإرسال قوات عسكرية برية وجوية لدعم الحلف الأطلسي، ويكفي أنها الدول التي أرسلت الكثير من العتاد إلى أوكرانيا بما في ذلك مقاتلات ميغ 29.
يدرك الحلف الأطلسي أنه أمام تحد حقيقي، إذ يجب عليه القيام بخطوات وقرارات قوية ليبرز دوره في حماية الأوروبيين وإبراز قوته أمام عالم يسير نحو تغيرات عميقة جيوسياسيا. وفي هذا الصدد، صرح الأمين العام الحالي لحلف الناتو، جان ستولتنبرغ خلال هذا الأسبوع في بروكسل بتوقعات قوية بشأن قمة فيلنيوس ويعتقد أن الحدث يمكن أن يكون «إشارة قوية» مرسلة إلى روسيا.

Sign In

Reset Your Password