تعيش فرنسا على إيقاع التصريحات المثيرة للصحفي ومفكر اليمين القومي إريك زيمور الذي لم يتردد في الإيحاء بترحيل خمسة ملايين مسلم من هذا البلد الأوروبي، وهو ما ترتب عنه تنديد بمضمون التصريح الذي يعتبره البعض في خانة “العنصرية الخطيرة” وأقدمت قناة تلفزيونية على تسريحه متسببة في انقسام فرنسا الى قسمين. ويعتبر زيمور من أهم الناطقين باسم الأفكار القومية المتطرفة في فرنسا ومنها كتابه “الانتحار الفرنسي” (انظر عرضا للكتاب في عدد أمس الأحد.
وكان إريك زيمور قد صرح للجريدة الإيطالية كوريي دي لسييرا يوم 30 أكتوبر الماضي بأن المسلمين يطبقون في فرنسا أعرافهم وقوانينهم الخاصة المستوحاة من الإسلام، وهذا جعل الفرنسيين يغادرون ضواحي المدن، حيث تعيش الجالية المسلمة. وعندما يسأله الصحفي عن مقترحه بترحيل المسلمين، يرد إريك زيمور “أعرف أنه ليس واقعي ولكن التاريخ يحمل مفاجآت، من كان يقول سنة 1940 أن مليون ونصف من الجزائريين الموالين لفرنسا سيتم ترحيلهم 20 سنة بعد ذلك من الجزائر الى فرنسا؟ أو أنه بعد الحرب العالمية الثانية ما بين خمسة وستة ملايين ألماني سيضطرون الى مغادرة أوروبا الوسطى والشرقية التي كانوا يعيشون فيها منذ قرون؟
ولم ينته أحد للتصريح حتى يوم الثلاثاء الماضي، حيث اعتبر جاك لوك ملينشون، زعيم الجبهة اليسارية خطيرا للغاية وشن على إريك زيمور هجمة سياسية أشعلت جدلا سياسيا وفكريا في فرنسا، ووجدت الأحزاب السياسية نفسها مضطرة الى التدخل علاوة على الحكومة، لاسيما بعدما تحولت شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك وتويتر وواتساب الى ساحة للمواجهة بين المدافعين عنه ومعارضيه، وإن كانت نسبة المعارضين أكثر بكثير.
وكتبت وزير الداخلية الفرنسي بيرنار كازانوف “مصمم أنا على مكافحة العنصرية ومعاداة السامية للحفاظ على قيم الجمهورية والتعايش”. وطالب رئيس الفريق الاشتراكي في البرلمان الفرنسي برونو لوروكس من قناة أيتيلي ووسائل الاعلام التي تتعامل مع زيمور وقف التعامل معه. وطالبت الجمعيات المناهضة للعنصرية من وسائل الاعلام إيقاف التعامل مع هذا الصحفي/المفكر، معتبره تصريحاته بمثابة سم وسط المجتمع.
وانتهى الأمر بقناة التلفزيون أيتيلي المتخصصة في الأخبار الى تسريح زيمور يوم الجمعة الماضية الذي كان يشارك في برنامج حواري منذ عشر سنوات. ونشرت جريدة لوموند تصريحا لمديرة القناة سلين بيغاي أنها دافعت لمدة عشر سنوات عن حق أريك زيمور في حرية التعبير لكن أمام تصريحاته الأخيرة لا يمكن تفهم ما يصدر عنه.
ويخلف قرار أيتيلي انقساما واضحا في صفوف الطبقة السياسية، فبينما انتفض اليمين المعتدل وكذلك الجبهة الوطنية ذات الأطروحات العنصرية الى التنديد بقرار إيقاف إريك زيمور، رحب اليسار بما في ذلك الحزب الاشتراكي الحاكم بالقرار واعتبره عادلا بسبب موقف زيمور من المسلمين.
وطالب زعيم اليسار الراديكالي ميلنشون أن قرار توقيف زيمور من القناة التلفزيونية ليس كافيا بل يجب التجند لمواجهة أفكاره التي وصفها “بالهدامة” التي تهدد التعايش في فرنسا.
ويعتبر إريك زيمور من الأصوات الرئيسية لليمين القومي الشوفيني في فرنسا، وأصدر خلال أكتوبر الماضي كتاب “الانتحار الفرنسي” الذي باع منه أكثر من 250 ألف نسخة يحمل فيه المسلمين من ضمن آخرين مسؤولية انهيار هذا البلد الأوروبي.