رأي ألف بوست: هل يرقى تقاعس الحكومة عن محاربة تهريب الأموال الى “الاشتراك في الإجرام”

الحكومة المغربية رفقة الملك محمد السادس خلال تعيينها

أعلن وزير المالية المغربي نزار بركة في البرلمان هذا الأسبوع عجز الحكومة على ضبط الأموال التي تهرب الى الخارج،  وقدم تفسيرات وفق رؤيته الخاصة لكنها لا تتصل بأي سند  بالواقع.  حيث كشف أن صعوبة رصد هذه الأموال تتعاظم بسبب ما قال إنه اختلاط تهريب المخدرات، بالامتيازات الضريبية في دول معينة، وبكثافة التعامل الإنساني ماليا في عالم يخضع للعولمة.

والواقع أن تصريحات الوزير تعتبر اعترافا صريحا بتخلي الحكومة الحالية، المكونة من أحزاب متعددة على رأسها العدالة والتنمية عن مكافحة الفساد، الذي يشكل مطلبا شعبيا وينخر اقتصاد البلاد ويرهن مستقبله. و لا تصمد التبريرات التي قدمها الوزير  وتعتمد التمويه أكثر من التوضيح، أمام الواقع، وتكشف في الوقت ذاته عن  عجز حكومي وتقاعس لدى أعضائها،  عن نبش هذه الملفات خوفا من الاصطدام بنافذين في السلطة على مستويات متعددة.

  وتمضي تصريحات الوزير بركة وتبريراته في نفس الاستراتجية التي يتبعها  وزير العدل و”الحريات” مصطفى الرميد، حيث يطالب نشطاء المجتمع المدني ممن لديهم ملفات فساد أن يكشفوا عليها، وكـأنهم سلطة تنفيذية، وتصب سياسية الوزيرين معا في التعاطي مع ملفات الفساد في مصب الشعار الشهير الذي رفع رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران  “عفا الله عما سلف”.

وتسعف تجارب جيراننا الأوروبيين والتقارير الدولية لكشف هشاشة التجربة المغربية القائمة على التبرير والتمويه، فيما تعتمد  التجربة الأوروبية  الحسم  والمواجهة المباشرة مع ملف تهريب الأموال.

وتفيد تقارير دولية كثيرة بوجود أموال  مغربية في الخارج، ويكفي الاتصال بهذه المنظمات لكي تمنح للحكومة المغربية، معلومات عن  كيفية  رصدها للأموال المهربة فتستفيد من تقنيات البحث، وتشرع في فتح هذا الملف.

وإذا كان هذا المثال غامضا ويترتب عنه تأويلات، فالمغرب دولة في المنتظم الدولي مثلها مثل باقي الدول ،ويمكنها أن تستفيد من تجارب الدول الأوروبية. نقتصر في هذا الصدد على ما قامت به اسبانيا مؤخرا. فقد أقدمت حكومة مدريد على توجيه إنذار الى جميع مواطنيها بضرورة الكشف عن حساباتهم في الخارج وخاصة في البنوك السويسرية، وتعهدت بفرض ضريبة 10% على هذه الأموال، في الوقت ذاته، راسلت البنوك السويسرية لكي تمدها بلائحة الإسبان. وكانت النتيجة أن الذين كانوا يهربون أموالهم أو أودعوها في الخاريج أعادوها وكشفوا عن حجمها، وتبين مؤقتا أن هذه المبالغ هي 87 مليار يورو ومرشحة للإرتفاع.

ونتساءل، أليس في إمكان المغرب أن يراسل البنوك السويسرية لمعرفة حسابات المواطنين المغاربة؟ ألا يمكنه أن يضع جدولا زمنيا لاستعادة هذه الأموال الى المغرب؟ ونعتقد أن المغرب الذي قدم للغرب خدمات في مكافحة الإرهاب والإجرام الدولي،  سوف يجري  التعاطي بإيجابية مع طلباته، رغم ما يقال عن سرية البنوك السويسرية.

ويبقى المثير للتعجب هو عدم إقدام حكومة عبد الإله ابن كيران على مراسلة الدول الأوروبية حول حسابات المغاربة غير المقيمين في بنوكها. ولا يمكن اختزال الأمر في الصعوبات والعراقيل الواهية التي سردها بركة، بل يجب فهم تقاعس الحكومة على ضوء خوف الحكومة من مواجهة نافذين في هياكل الدولة المغربية. وهذا الخوف، يجعل هذه الحكومة التي تمتلك الوسائل القانونية والأمنية لتفعيل مكافحة تهريب الأموال ولا تنفذها، “شريكة في الإجرام” ويتطلب على الأقل محاسبتها سياسيا.

Sign In

Reset Your Password